الاثنين، 13 سبتمبر 2010

حسن البنا الإمام الشهيد الذى عرفته


د. عصام العريان


قبل أن تقرأ

لم اعتدان اعيد نشر ما كتبته قديما

لكن لهذا المقال قصة

كتبته فى ذكرى استشهاد البنا امامنا الشهيد عقب خلروجى من السجن بعد 5 سنوات عام 2000

ونشر وقتها بجريدة الحياة ومجلة المجتمع

وقد قلت مرارا ان مسلسل الجماعة للكاتب وحيد حامد سوف يثير تساؤلات عديدة حول الامام البنا والاخوان المسلمين،وان واجب الاخوان ان يقدموا انفسهم للناس وان يجيبوا على تساؤلاتهم بالكتب والنشرات والاحاديث والمقالات وكافة صور الاعلام.

لذلك اعيد نشر هذا المقال كما هو دون حذف أو إضافة لعله يلقى ضوءا على تلك الشخصية الفريدة ومنهجها وأثرها

كيف عرفته وقد ولدت بعد استشهاده ببضع سنوات ؟!!

هذا هو السؤال الذى يجيب عليه هذا المقال .

وقد فرض هذا المقال نفسه على الكاتب فرضا ولم يكن لى خيار , ففى النفس مشاعر وأحاسيس ، وفى الصدر كلام كثير أود البوح به لإخوانى وأحبابى وأصدقائى وكل القراء .

حصيلة سنوات خمس من التأمل والتفكير المتصل ، والحوارات التى لم تنقطع مع إخوانى رفاق المحنة وأصحاب السجن ومع غيرهم فضلا عن المشاهدات والانطباعات ، غير الدراسات والقراءات بجانب المتابعة المستمرة للأحداث ووقائع الشهود والسنين والأيام .

فقد حلت ذكرى استشهاد الأستاذ المربى والإمام المجدد حسن البنا ووفاء لذكراه العطرة ، وثباتا على مسيرة الدعوة التى أرسى دعائمها واستمرارا لمنهجه الوسطى تأتى هذه الكلمات التى مهما طالت فلن توفيه حقه .

كيف تعرفت على حسن البنا ؟!

حرم جيلنا من التعرف المباشر على البنا ، وتفتحت مداركنا وعقولنا والحظر على أفكاره سارى وكتبه ممنوعة ، والجماعة التى أوجدها خلف الأسوار وبعد الهزيمة البشعة فى 1967 اتجهنا للبحث عن مخرج من مأزقنا الشخصى وحل لمشاكل الأمة التى وصلت إلى طريق مسدود ، وكان الدين هو الملجأ والملاذ وتعددت المدارس المطروحة على الساحة ، وكلها تقدم إسلاما مجنزأ لا يقدم الحل والمخرج .

بعضها متشدد لدرجة الخروج على المجتمع نفسه ، وبعضها عالى النبرة جدا ينطلق من آفاق المحن والتعذيب .

وكانت هالات الشهادة تحوط الشهيد سيد قطب رحمه الله ، فانطلقنا نغترف من كتاباته المهربة ، الظلال والمعالم وغيرها .

وبعد سنوات قليلة وقع فى أيدينا رسائل قصيرة منزوعة الغلاف وبعد قراءتها أصبحنا كأننا عثرنا على كنز، هذا ما نبحث عنه.

وكان نشاطنا فى الجامعة فى أوجه قبيل منتصف السبعينات وحولها وكانت معسكراتنا الصيفية يحتشد فيها الشباب وتتردد عليها الفتيات ويحضر ندواتها الجمهور الغفير .

ووقع اختيارنا على بضع رسائل لطباعتها وتوزيعها على أعضاء المعسكر ثم طباعتها للتوزيع العام فى سلسلة كنا ننشرها "صوت الحق"

وإذا كان لكتابات قطب الأثر البالغ فى إشعال الحماس فى صدورنا لهذا الدين فقد كان لابد من التعرف على كتابات البنا لتحقيق التوازن النفسى ، فالتحليق وحده لا يكفى ولابد من النزول إلى أرض الواقع ، وهذا ما تكفلت به رسائل الإمام الشهيد.

واستمرت صلتى بمجموعة رسائله وما نشر من كتاباته ، وازدادت حاجتى إليها لتقديم رؤية إسلامية خالصة متوازنة عندما تتم دعوتى للحديث ، وقدمت لى أيضا أرضية لأنطلق منها فى عملى النقابى والنيابى وأساسا يمكن البناء عليه .

وعندما جمعتنى المحنة مع الأحباب كانت حلقاتنا حول كلمات البنا للدرس والفحص والنقاش والمراجعة ولا مانع من النقد ، وساهمت هذه الحوارات فى اكتشاف مزيد من الدرر الكامنة خلف هذه الكلمات القليلة التى تتميز بحسن الصياغة ودقة التعبير .

ما الذى جذبنى إليه ؟

كثير فى صفات حسن البنا الشخصية وعلاقاته الإنسانية يحببه إليك كما حكى معاصروه ولعله أحد القلائل الذين لم يختلف عليهم أحد فى هذا العصر ، ويجذبك إلى حبه ويأسرك فى فلكه كتاباته البسيطة التى تندرج تحت عنوان السهل الممتنع ، فتدخل إلى قلبك مباشرة لأنها – غالبنا – خرجت من القلب .

ولذلك جذبنى إليه :

أولا: تمسكه بثوابت هذا الدين "الإسلام" عقائدا وأخلاقا وعبادات ووضوح رؤيته فى بناء نهضة هذه الأمة من جديد على ثوابت الإسلام وأصوله .

ثانيا : التجديد فى الوسائل والأساليب والانطلاق من فهم الواقع لتقديم الإسلام للناس ، إسلام يوافق العصر ولا يصادمه .

ثالثا : الوسطية والاعتدال والبساطة فى حياته وكلماته .

رابعا : التوازن فى حياته بين بيته وعمله ودعوته وتنظيمه وعمله الوطنى ونشاطه العام وساعده على ذلك قدراته الإدارية العالية وتقديسه للوقت والاستفادة به وتوظيفه لطاقات من حوله والرفع من شأنهم وبناء ركائز للدعوة والوطن منهم وتقديمهم فى كثير من المجالات .

خامسا : تعدد الجوانب فى شخصيته ، فهو الداعية والمجاهد والباحث والمربى والخطيب والسياسى والإدارى والصحفى والفقيه … إلخ

سادسا : الإجماع الوطنى على شخصيته ، ويكفى موقف مكرم عبيد باشا أثناء وفاته وجنازته ، وأن يظل الدكتور مصطفى الفقى يذكره فى أحاديثه ومقالاته بالثناء الحسن باستمرار .

حاجة الشباب والعاملون للإسلام والأمة كلها إلى حسن البنا وأفكاره

هل انقطعت الحاجة إلى فكر حسن البنا وأساليبه بوفاته ولم تنقطع مسيرة الجماعة التى أسسها "الإخوان المسلمون" رغم توالى المحن على أفرادها فى كثير من الأقطار .

الجواب : لا

أولا : يحتاج الوطن والأمة كلها إلى الأفكار التى دعا إليها البنا ، والسبب واضح وبسيط ، فقد تعثرت مسيرة النهضة التى بدأت منذ قرن من الزمان ومازالت النخبة تتجادل حول نفس القضايا التى شغلتها مع مطلع القرن ، ومازال طريق النهضة يحتاج إلى وضوح الرؤية وصدقت الأيام كلام البنا حيث قال "إنكم سترون أمامكم طريقين ، كل منهما يهيب بكم أن توجهوا الأمة وجهتها وتسلكوا بها سبيله ، ولكل منها خواص ومميزاته وآثاره ونتائجه ودعاته ومروجوه .

فأما الأول فطريق الإسلام وأصوله وقواعده وحضارته ومدنيته ، وأما الثانى فطريق الغرب ومظاهر حياته ونظمها ومناهجها .

وعقيدتنا أن الطريق الأول طريق الإسلام وقواعده وأصوله هو الطريق الوحيد الذى يجب أن يسلك وأن توجه إليه الأمة الحاضرة والمستقبلة" ، ويقول : "ليس فى الدنيا نظام يمد الأمة الناهضة بما تحتاج إليه من نظم وقواعد وعواطف ومشاعر كما يمد الإسلام بذلك كله أممه الناهضة" رسالة نحو النور .

ثانيا : تحتاج الأمة كلها إلى فهم الإسلام كما قدمه البنا : الفهم الشامل المعتدل المتوازن لأن الفهم هو منطلق العمل ، وتحتاج أيضا إلى ترسم منهج البنا فى التضحية بالنفس والمال فى سبيل تحقيق الأهداف الكبرى .

ثالثا : يحتاج العاملون للإسلام والشباب المقبل بغزارة على الدعوات والحركات الإسلامية أكثر من غيرهم إلى ترسم خطى البنا فى :

- الاتجاه نحو الإصلاح المبنى على دراسات وبرامج للواقع بدلا من الصدام معه ، فالسعى نحو التغيير لا يمكن أن يهمل المنجزات الواقعية .

- الحس الإسلامى الوطنى العالى الذى يمزج بين الإسلام وحب الأوطان ويزن كل فكرة بميزان الإسلام ثم يأخذ ما يوافق الإسلام ، ويرحب بالصالح المفيد من كل دعوة ويتبرأ مما يخالف الإسلام .

- التدرج فى العمل من أجل الوصول إلى الأهداف الكبرى وذلك بعد الفهم الدقيق للظروف والمتغيرات وعدم مصادمة نواميس الكون .

- اعتماد البرامج والمقترحات وعدم الاكتفاء بالأقوال العامة والمرسلة ، فمن يقرأ رسائل البنا يجده يقدم كثيرا من الاقتراحات لأولى الأمر ويدعوهم لتنفيذها .

واجب الإخوان المسلمين نحو حسن البنا

‘ن حسن البنا ملك للأمة كلها وليس ملكا للإخوان المسلمين ، كان ذلك فى حياته وأصبح ذلك مؤكدا بعد وفاته .

وأول ما يجب تجاه البنا هو نشر تراثه الفكرى : كتابة وخطابه ، فمن الخطأ الشديد فى حق هذا الإمام وهذه الأمة ألا تكون الأعمال الكاملة لحسن البنا بين أيدى كل الناس وأن تتوفر للدارسين والباحثين بعد وفاته بنصف قرن وقد نشر البعض منها ولكنه لا يشفى الغليل ولا يروى الظمآن .

وأكثر ما تقر به عين البنا فى آخرته أن تورق الشجرة التى غرسها وأن تثمر ثمارها الطيبة ، ولا يكون ذلك إلا باستمرار مسيرة دعوته الكبرى وذلك بانتشار فكرته وازدياد العاملين لها على نفس المنهج المعتدل الشامل المتوازن الذى يحافظ على الثوابت ويحدد باستمرار فى الأساليب والوسائل ويجتهد فى الاختيارات الفقهية التى تناسب العصر .

وقد مارس الإخوان ذلك بعد أن صمدوا أمام المحن المتتالية وخرجوا منها أقوى وأصلب عودا ، واختاروا اختيارات جديدة - غير اختيارات البنا – فى موضوعين من أهم الموضوعات ، وهما التعددية السياسية ودور المرأة فى المجتمع حيث اختاروا القول بحق المرأة فى ممارسة الأنشطة السياسية ترشيحا وانتخابات وتولى الوظائف العامة فى المجتمع مع القيام بدورها ووظيفتها التى لا يقوم بها غيرها فى الحمل والأمومة ورعاية بيتها .

واختاروا الرأى الذى يساند تعدد الأحزاب فى المجتمع دون قيود من السلطات ومن أراد المزيد فليطالع الرسالة التى صدرت عن الإخوان حول "المرأة المسلمة فى المجتمع المسلم والشورى وتعدد الأحزاب" التى صدرت فى مارس 1994م شوال 1414هـ.

كما يحسن بالإخوان – خاصة الشباب منهم – إعادة قراءة ما كتبه البنا ودراسته وفهمه فهما جيدا حيث يجيب على كثير من تساؤلاتهم ويوضح لهم منهجهم المعتدل وأن يلتزموا باختياراته فى مجال العمل العام ومنها مثلا قوله حول نظام الحكم "لهذا يعتقد الإخوان المسلمون أن نظام الحكم الدستورى هو أقرب نظم الحكم القائمة فى العالم كله إلى الإسلام وهم لا يعدلون به نظاما آخر" ويقول عن الوطنية "من هنا كان المسلم أعمق الناس وطنية وأعظمهم نفعا لمواطنيه ، وكل مسلم مفروض عليه أن يسد الثغرة التى هو عليها وأن يخدم الوطن الذى نشأ فيه" ويقول عن الوحدة العربية "ومن هنا كانت وحدة العرب أمرا لابد منه لإعادة مجد الإسلام وإقامة دولته وإعزاز سلطانه .

ومن هنا وجب على كل مسلم أن يعمل لإحياء الوحدة العربية وتأييدها ومناصرتها ، وهذا هو موقف الإخوان المسلمين" رسالة المؤتمر الخامس .

وفى الخاتمة يجب ألا ينقلب تقدير الإخوان المسلمين للإمام الشهيد حسن البنا إلى ما يشبه التقديس عند البعض فلا يقبل مراجعة أو نقدا لبعض الأفكار ، بل على هؤلاء المغالين أن يلتزموا خطة قيادة دعوتهم التى مارست المراجعة والنقد والتغيير كما سبق أن أوضحنا فهذا هو منهج البنا نفسه الذى قدم الإسلام بصورة جديدة وشكل جذاب يناسب العصر الذى نشأ فيه وكان محل انتقاد الجامدين على القديم الذين لا يراعون تغير الظروف والأحوال ، وهذا هو نفسه منهج الإسلام العظيم الذى شرعه الله تعالى ليناسب كل العصور والأماكن .

رحم الله حسن البنا رحمة واسعة وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ، وأسكنه فسيح الجنات ، مع النبيين والصديقين والصالحين والشهداء .

ليست هناك تعليقات: