الجمعة، 18 ديسمبر 2009

دور البيت المسلم في ذكرى الهجرة


محمد حسين عيسى


حَدَثَ الهجرة النبوية حدث جعله الله سبحانه وتعالى طريقًا للنصر والعزة ورفع راية الإسلام وتشييد دولته وإقامة صرح حضارته، فما كان لنور الإسلام أن يشع في جميع أرجاء المعمورة لو بقي حبيسًا في مهده، إنه حدث شامل كامل متكامل لمن أحسن الاستفادة منه وأخذ العبرة والعظة على أحسن وجه، إنه في الحقيقة حدث يعرض منهج النبي صلى الله عليه وسلم، منهج من لا ينطق عن الهوى، منهج المؤيد من رب العالمين، فليست الهجرة حدثًا عاديًّا، ولا أمرًا طبيعيًّا، بل هي أمر جلل يستحق منا الاهتمام والبحث والوقوف عند كل مشهد من مشاهد الحدث؛ لنأخذ منه العبرة ونتبين من خلاله معالم الطريق.



البيت المسلم المتكامل

لقد كان البيت المسلم حاضرًا لأخطر قرار في تاريخ الدعوة، فقد كانت عائشة وأسماء رضي الله عنهما؛ تستمعان لتلك المداولات التي دارت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين والدهما أبي بكر الصديق رضي الله عنه قالت: "بينما نحن يومًا جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة، قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متقنعًا في ساعة لم يكن يأتينا فيها. فقال أبو بكر: فداء له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر.



الت: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستأذن، فأذن له، فدخل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: أَخرِج مَن عندك. فقال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله. قال: فإني قد أُذِن لي في الخروج. فقال أبو بكر: الصحبةَ بأبي أنت يا رسول الله. قال رسول الله: نعم. قال أبو بكر: فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين. قال رسول الله: بالثمن. قالت عائشة: فجهزناهما أحسن الجهاز وصنعنا لهما سُفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب، فبذلك سميت ذات النطاقين". الله أكبر.. ما أجمل هذا البيت المسلم؛ بيت أبي بكر، الأب أبو بكر وابنه عبد الله وابنتاه أسماء وعائشة، بل وحتى مولاه عامر بن فهيرة، في وسط الجاهلية ومرابض الوثنية، في وسط هذا الخضم الأسود الذي يهرب فيه المسلمون بعقيدتهم؛ نجد بيتًا صالحًا فيه مقومات الصلاح، فعندما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "أخرج من عندك". قال أبو بكر: "إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله". أكان الرسول صلى الله عليه وسلم يجهل أنهما ابنتا أبي بكر؟ لا وربي فهو يعرفهما، ولكن أراد أبو بكر أن يقول: إنهما على منهجي، هما على عقيدتي، لا خوف منهما يا رسول الله.



وقفة وتأمل مع بيت أبي بكر الصديق

لقد وقفت أمام هذا البيت المسلم وقارنت هذا البيت المسلم ببيوتنا في ديار الإسلام، أين البيت الذي تتوفر فيه صفات البيت المسلم كبيت أبي بكر..؟ إن من أولى أولويات البيت المسلم وأسمى رسالة نقدمها للمجتمع تربية الأولاد، وتكوين جيل صالح قوي، ولا قيمة للتربية ولا أثر للنصيحة إلا بتحقيق القدوة الحسنة في الوالدين؛ القدوة في العبادة والأخلاق، القدوة في الأقوال والأعمال، القدوة في المخبر والمظهر.



من ملامح البيت المسلم

تجلت بعض سمات البيت المسلم من خلال حدث الهجرة، والتي كان لها أبعد الأثر في نجاح خطة الهجرة:



1– الربانية:

من سمات البيت المسلم أنه يرد كل أمر إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم مهما كان صغيرًا، وكل من فيه يرضى ويسلم بحكم الله، ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِينًا﴾. (الأحزاب: الآية 36)



2– التعاون على البر والتقوى:

من سمات البيت المسلم تعاون أفراده على الطاعة والعبادة، فضعف إيمان الزوج تقويه الزوجة، واعوجاج سلوك الزوجة يقومه الزوج، تكامل وتعاضد ونصيحة وتناصر. كما تعاونت أسرة أبي بكر على نصرة الإسلام في صورة صاحب الهجرة.



3– الحياء:

من سمات البيت المسلم الحياء، وبه يحصن البيت كيانه من سهام الفتك، لا يليق ببيت أُسِّس على التقوى أن يُهتَك ستره ويُنقض حياؤه ويلوث هواؤُه بما يخدش الحياء، كل ذلك ينخر كالسوس في كيان البيت المسلم، وأبوابٌ تفتح مغالقَ الشر وتَدَعُ العامرَ خرابًا.



4– كتمان الأسرار:

من سمات البيت المسلم أن أسراره محفوظة، وخلافاته مستورة لا تفشى، كما كتمت أسرة أبي بكر خبر الهجرة عن أعداء الإسلام والناس جميعًا.



5– لا يدخله إلا مؤمن:

لا يدخل البيت المسلم من لا يُرضى دينه، فدخول المُفسِد فسادٌ، وولوج المشبوه خطرٌ على فلذات الأكباد، بهؤلاء فسدت الأخلاق في البيوت، وانقلبت الأفراح أتراحًا، بل هم معاول هدمٍ للبيت السعيد، وحقق ذلك سيدنا أبو بكر؛ فنرى من الذي يدخل بيت أبي بكر؟! إنه خير البشر الرسول صلى الله عليه وسلم.



دور الشباب في الهجرة

لقد برز أثر الهجرة في مجال تربية الشباب والمرأة وميدان البيت والأسرة؛ ففي موقف عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما في خدمة ونصرة صاحب الهجرة، ودورهم في الأمة ونصرة الدين والملة، فأين هذا مما ينادي به بعض المحسوبين على فكر الأمة وثقافتها من تخدير الشباب بالشهوات، وجعلهم فريسة لمهازل القنوات وشبكة المعلومات، في الوقت الذي يُعَدُّون فيه للاضطلاع بأغلى المَهمات في الحفاظ على الدين والقيم، والثبات على الأخلاق والمبادئ أمام المتغيرات المتسارعة، ودعوات العولمة المفضوحة.



دور المرأة المسلمة في الهجرة

وفي بيت أبي بكر كان آل أبي بكر على موعد مع حَدَثيْن: أما الحدث الأول فقد انطلق نفرٌ من قريش إلى بيت أبي بكر فقرعوا الباب، فخرجت إليهم أسماء فقالوا لها: أين أبوك؟ قالت: لا أدري. فرفع أبو جهل يده فَلَطَمَ خدَّها لطمة شديدة حتى سقط قُرطها من أذنها.



وأما الحدث الثاني فقد خرج أبو بكر بكل ماله- خمسة آلاف أو ستة آلاف درهم- مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فأقبل والده أبو قحافة وكان شيخًا قد ذهب بصرُهُ، فدخل على أسماء وقال: والله إني لأراه فَجَعَكُم بماله مع نفسه. فقالت أسماء: كلا يا أبت إنه قد ترك لنا خيرًا كثيرًا. فأخذت أحجارًا ثم وضعت عليها ثوبًا، ثم أخذت بيده وقالت: ضع يدك على هذا المال. فلما وضعها قال: إن كان ترك لكم هذا فقد أحسن.



* وفي موقف أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها ما يجلي دور المرأة المسلمة في خدمتها لدينها ودعوتها؛ مهما كلفها الأمر من المشقة والعناء.



الدروس والعبر المستفادة من أسرة أبي بكر في حدث الهجرة

1 – اهتمام أبي بكر رضي الله عنه بأهل بيته وإصلاحهم والبدء بهم قبل غيرهم.

2 – تربية أبي بكر رضي الله عنه لأسرته على الأمانة ونصرة هذا الدين وحمايته وبذل ما يملكون في سبيل ذلك، وكان رضي الله عنه واثقًا من تربيته أتم الثقة، فقال للرسول صلى الله عليه وسلم عندما طلب منه إخراج من عنده: "لا عين عليك إنما هم أهلك يا رسول الله".

3 – أسرة أبي بكر تشارك بمجموعها في إنجاح خطة الهجرة النبوية.

4 – الاستفادة من خبرات وطاقات الأسرة وتوظيفها في المجالات المناسبة؛ فعبد الله بن أبي بكر لنقل الأخبار، وأسماء وعائشة لإعداد الطعام، ومولاه عامر بن فهيرة يمحو الأثر.

5 – اهتمام أبي بكر رضي الله عنه بالرسول صلى الله عليه وسلم وإيثاره على نفسه، فقد ذهب يبحث له في الطريق عن ظل يقيل فيه.



دروس من الهجرة

1 – درس في الهجرة:

إن الهجرة بالمعنى الشرعي ليست مجرد الانتقال من بلد إلى آخر فحسب، بل هي هجرة عامة عن كل ما نهى عنه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، حتى يكون الدين كله لله، هجرة من الذنوب والسيئات.. هجرة من الشهوات والشبهات.. هجرة من مجالس المنكرات.. هجرة من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة.



هجرة من التفرق إلى الوحدة، هجرة من الضعف إلى القوة، هجرة من التخاذل إلى التناصر، هجرة من الجبن إلى الاستبسال، هجرة من التبعية إلى الاستقلال، هجرة من مخالفة الله ورسوله إلى طاعة الله ورسوله، هجرة من الذلِّ إلى العزة، هجرة من الاسترقاق إلى الحرية.



هذه هي الهجرة المطلوبة الآن، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا هجرة- مكانية- بعد الفتح، ولكن جهاد ونية".



2 – درس في الصبر واليقين:

إن طريق الدعوة إلى الله شاق محفوف بالمكاره والأذى، لكن من صبر ظفر.. ومن ثبت انتصر.. ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: الآية 21)



3 – درس في التوكل على الله والاعتصام بحبل الله:

فمهما اشتدت الكروب ومهما كثرت الخطوب يبقي المؤمن

وَاشْدُدْ يَدَيْكَ بِحَبْلِ اللَّهِ مُعْتَصِمًا *** فَإِنَّهُ الرُّكْنُ إِنْ خَانَتْكَ أَرْكَانُ



4 – درس في الحب:

وقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين" إن هذا الحب هو الذي أبكى أبا بكر فرحًا بصحبته صلى الله عليه وسلم... إن هذا الحب هو الذي جعل أبا بكر يقاوم السم وهو يسري في جسده يوم أن لُدِغَ في الغار؛ لأن الحبيب ينام على رجله، إن هذا الحب هو الذي أرخص عند أبي بكر كلَّ ماله مُؤْثِرًا الحبيب صلى الله عليه وسلم على أهله ونفسه، إن هذا الحب هو الذي أخرج الأنصار من المدينة كل يوم في أيام حارة ينتظرون قدومه صلى الله عليه وسلم. فأين هذا ممن يخالف أمر الحبيب صلى الله عليه وسلم ويهجر سنته ثم يزعم أنه يحبه؟!

يَا مُدَّعِي حُبَّ طَهَ لاَ تُخَالِفْهُ *** فَالْخُلْفُ يَحْرُمُ فِي دُنْيَا الْمُحِبِّينَا



5 – درس في التضحية والفداء:

فيوم أن بات عليٌّ رضي الله عنه في فراشه صلى الله عليه وسلم وغطى رأسه؛ كان يعلم أن سيوف الحاقدين تتبادر إلى ضرب صاحب الفراش، ويوم أن قام آل أبي بكر عبد الله وأسماء وعائشة ومولاه عامر بهذه الأدوار البطولية؛ كانوا يعلمون أن مجرد اكتشافهم قد يودي بحياتهم، هكذا كان شباب الصحابة.



6 – درس في العبقرية والتخطيط والأخذ بالأسباب:

فالقائد: محمد، والمساعد: أبو بكر، والفدائي: عليٌّ، والتموين: أسماء، والاستخبارات: عبد الله، والتغطية وتعمية العدو: عامر، ودليل الرحلة: عبد الله بن أريقط، والمكان المؤقت: غار ثور، وموعد الانطلاق: بعد ثلاثة أيام، وخط السير: الطريق الساحلي. وهذا كله شاهد على عبقريته وحكمته صلى الله عليه وسلم، وفيه دعوة للأمة إلى أن تحذو حذوه في حسن التخطيط والتدبير وإتقان العمل واتخاذ أفضل الأسباب مع الاعتماد على الله مسبب الأسباب أولاً وآخرًا.



7 – درس في الإخلاص:

ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنه ليس أحد أَمَنَّ علي في نفسه وماله من أبي بكر"، فقد كان أبو بكر ﴿الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى﴾ (الليل: الآية 18) ينفق أمواله على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى الدعوة إلى دين الله.



لكن السؤال هنا هو لماذا رفض صلى الله عليه وسلم أخذ الراحلة من أبي بكر إلا بالثمن؟
قال بعض العلماء: إن الهجرة عمل تعبدي؛ فأراد عليه الصلاة والسلام أن يُحَقِّقَ الإخلاص بأن تكون نفقة هجرته خالصة من ماله دون غيره، وهذا معنًى حسن، وهو درس في الإخلاص.



8 – درس في التاريخ الهجري:

التأريخ بالهجرة النبوية مظهر من مظاهر تميز الأمة المسلمة وعزتها، ويعود أصل هذا التأريخ إلى عهد عمر رضي الله عنه، فلما ألهم الله الفاروق الملهم أن للأمة تاريخًا يميزها عن الأمم الكافرة؛ استشار الصحابة في ما يبدأ به التاريخ، أيؤرخون من مولده عليه الصلاة والسلام أم من مبعثه أم من هجرته أم من وفاته؟



وكانت الهجرة أنسب الخيارات، أما مولده وبعثته فمختلف فيهما، وأما وفاته فمدعاة للأسف والحزن عليه، فَهَدَى الله تعالى الصحابة إلى اختيار الهجرة منطلقًا للتاريخ الإسلامي.



9 – درس في الأمانة:

تجلت أمانة الرسول صلى الله عليه وسلم في استبقائه عليًّا رضي الله عنه في مكة ليؤدي عنه الأمانات إلى أصحابها رغم أساءتهم إليه ولأصحابه رضوان الله عليهم.



10- سلامة التربية النبوية:

فقد دلت الهجرة على ذلك؛ فقد صار الصحابة مؤهلين للاستخلاف وتحكيم شرع الله، والقيام بأمره والجهاد في سبيله.



11- التنبيه على عظم دور المرأة:

ويتجلى ذلك من خلال الدور الذي قامت به عائشة وأختها أسماء رضي الله عنهما؛ حيث كانتا نعم الناصر والمعين في أمر الهجرة، فلم تخذلا أبيهما أبي بكر مع علمهما بخطر المغامرة، ولم تُفْشِيَا سر الرحلة لأحد، ولم تتوانيا في تجهيز الراحلة تجهيزًا كاملاً، إلى غير ذلك مما قَامَتَا به.



12- عِظَمُ دور الشباب في نصرة الحق:

ويتجلى في الدور الذي قام به عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه حين نام في فراش النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة، ويتجلى من خلال ما قام به عبد الله بن أبي بكر؛ حيث كان يَتَسمَّع أخبار قريش ويزود بها النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر.



التطبيقات العملية للهجرة النبوية

تتمثل أهم تطبيقات الهجرة الشريفة في:

1 – العمل على تنمية طاقات الشباب ودفعهم إلى الأمام واستغلال ما بداخلهم من طاقة عظيمة تمكنهم من تغيير الوضع الحالي، فقد قدَّم عليُّ بن أبي طالب دورًا عظيمًا في الهجرة حين نام رضي الله عنه في مكان الرسول الكريم وهو يعلم أن قريشًا ستَهْوي عليه، ولكنه لإيمانه بعظيم عمله ثبت وتشجع وأدى دوره على أحسن وجه.



2 – الاهتمام بالمرأة وحثها على التقدم، فهي التي بإمكانها أن تُخْرِجَ لنا الشباب والفتيات الصالحات، أهم الدعائم لبناء أمة إسلامية قوية تعمل على رفع راية الإسلام عالية مرفوعة، كما ظهر لنا من خلال الدور الذي أدته أسماء بنت أبي بكر عندما صمدت أمام قادة قريش، وأبت أن تُفشي سر رسول الله، علاوة على ما قامت به أثناء الرحلة العظيمة من حرصها أن تقدم المؤن للرسول الكريم وتحمل له الطعام والشراب.



3 – الالتحام والتعاون فيما بين المسلمين، والثبات أمام الأزمات، والحرص الدائم أن يكون هدفنا واحدًا، نسعى دائمًا من أجل الوصول إليه، وأن نتخلى عن روح العصبية التي قد تؤدي بنا إلى الانقسام، ومن ثم إلى الانهزام الذي لا يجني ثماره إلا نحن، ولا يخفى علينا ما كان بين المهاجرين والأنصار من تلاحم وإيثار وهم ليسوا أبناء بلد واحد، وإنما قد جمعهم الإسلام ليوحد كلمتهم وهدفهم في الحياة ألا وهو بناء دولة إسلامية تنشر الهداية والعدل بين الناس.



4 – أن يتذكر شبابُنا أن الصبر دائمًا تكون نهايته سعيدة، إلا أنه يجب أن يكون مصحوبًا بالتوكُّل على الله، والأخذ بالأسباب، فعلى شبابنا أن يسعوا ويجتهدوا في عملهم مع الصبر، وليعلموا دائمًا أن بعد العسر يسرًا.



5 – أن نضع ثقتنا في الله، وأن نكون على يقين تام بأن الله سبحانه وتعالى سيخرجنا من حالنا هذه كما أخرج رسوله الكريم من ظلام الجاهلية إلى نور الإسلام.



*الخاتمـة*

يجب علينا ونحن نتعلم ونتابع هذه الدروس والأحداث أن ندرك أن برهان الحب لرسول الله يبدأ من الاتباع والالتزام بكل ما جاء به الرسول، وهذا التوجيه الرباني الواضح في أن حب الله عزَّ وجلَّ يبدأ ويتحقق باتباع الرسول الكريم والنبي العظيم صلي الله عليه وآله وسلم، فعلينا أن نلتزم بما جاء به الرسول طلبًا لرضا الله وحبه.

من هو الأعمى ؟


ولد وقضى 30 عاما من حياته أعمى........

ومع تطور الطب أتيحت له فرصة أن يقوم بعملية تجعله يبصر...

ذهب إلى المستشفى وأجرى العملية... وجاءه الطبيب ليزيل الشال من على عينيه.....

فتح عينيه ليرى النور لأول مرة في حياته !!....

هي حالة لم تتكرر سوى مرات قليلة جدا في العالم كله (أن يبصر رجل بعد أن يولد أعمى).

ردة الفعل كانت مفجعة له...

فلم يستطع أن يميز أي شيء يراه....

قد قضى طوال حياته منذ أن ولد يتعرف على الأشياء عن طريق اللمس...

فهو لا يعرف ما هي التفاحة إلا باللمس ولا يعرف معنى الألوان ولا حتى شكل الإنسان..

لدرجة أنه لا يعرف معنى اقتراب الشيء منه وبعده عنه..

فهذه كلها أمور لا يفهمها ولا يترجمها إلا من استخدم عينيه من قبل.....

عقله ارتبط طوال حياته باللمس... ولم توجد أي صلة بين عينيه وعقله.....

قضى الأسابيع الأولى بعد العملية وهو كالأعمي...

فهو يبصر ولكنه لا يفهم ما يبصره....

ثم بدأ يتعرف على الأشياء تدريجيا...

يرى التفاحة فلا يعرفها ثم يلمسها فيتعرف عليها، فيربط بين ما رآه بعينه وما تعرف عليه بلمسه فيفهم عقله.....

مضى على هذا الحال أشهرا...

ولأنه لم يعتد على النظر من قبل فقد بدأ يلاحظ أمورا لا يلاحظها الإنسان العادي..

فبدأ يرى تعابير الوجه البسيطة ويتعرف عليها...

فأصبح يلاحظ تعابير النفاق والكذب والارتباك ، وهي أمور لا يلاحظها الإنسان العادي (إلا من أعطي الفراسة)... ومن هنا فهمت معنى الفراسة.... فالفراسة هي القدرة على ملاحظة دقائق تعابير الوجه، فترى أمورا لا يراها غيرك... وقد كان بعض السلف يرى أثر الذنب على وجه الشخص إذا دخل عليه !!...

نعود إلى صاحبنا الذي أصبح يستمتع بأمور لا يلقي لها الإنسان العادي بالا...

يستمتع بشروق الشمس وغروبها...

يستمتع بمنظر الطفل البريء وهو يبكي...

يستمتع بمنظر الطيور وهي تحلق في السماء...

بعد عدة أشهر حدث له أمر لأول مرة...

وهو أنه جاءته حالة ظلام مفاجئ لثوان معدودة... ثم عاد بصره مرة أخرى...

تكررت الحالة عدة مرات.. وبدأت تزداد.. فذهب إلى الطبيب الذي أجرى عليه بعض الفحوصات وقال له : يؤسفني إبلاغك أن المشكلة في عينيك عادت مرة أخرى وأنك ستفقد بصرك خلال أيام !!...

يا الله !!...

شعور رهيب شعر به ذلك الرجل بعد أن قضى أشهرا وهو يرى بعينيه....

وبالفعل بدأت الحالة تزداد سوءا وما هي إلا أيام وفقد بصره مرة أخرى !!...

وقد عبر الرجل عن ما استفاده من تلك التجربة بقوله (بما معناه):

ليس الأعمى من لا يرى... وإنما الأعمى هو الذي لا يشعر بما يراه ولا يتدبر فيه...

فكم من بصير يرى بعينيه ولكن قلبه لا يرى شيئا ، وكم من أعمى البصر ولكن قلبه يرى !

وتلخيص ذلك قوله تعالى: (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)

نعمة البصر ...من أعظم النعم ، فلنحمد الله عليها في سجودنا اليوم .....

مجرمو الحرب صاروا «أصدقاءنا»


فهمى هويدى


قارئ الصحف المصرية ربما لاحظ أنها أبرزت على صفحاتها الأولى يوم الثلاثاء الماضى (15ديسمبر) خبر الأمر القضائي الذي صدر في إنجلترا بالقبض على وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني بتهمة ارتكابها جرائم حرب، باعتبار أنها من المسؤولين عن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وكانت وكالات الأنباء قد ذكرت أن محكمة ابتدائية بريطانية أصدرت هذا الأمر، بعدما تقدم محامون بريطانيون بالتعاون مع جهات حقوقية فلسطينية بطلب اعتقال السيدة ليفني ومحاكمتها كمجرمة حرب، مستندين في ذلك إلى ما أثبته تقرير «جولدستون» من جرائم ارتكبتها القوات الإسرائىلية أثناء عدوانها على غزة.
كانت زعيمة حزب «كاديما» قد وصلت إلى لندن لإلقاء كلمة في مؤتمر لإحدى المنظمات اليهودية، لكنها اختفت بعد ذلك. وقالت الوكالة إن قوة من الشرطة البريطانية تبحث عنها بجدية، وإن عددا من رجال الشرطة توجهوا إلى مكان انعقاد المؤتمر لاعتقالها، كما تمركز عدد منهم عند مدخل مبنى السفارة الإسرائىلية بلندن وفي المطارات خشية تهريبها إلى الخارج.
وبدا من الإجراءات المتخذة أن الحكومة البريطانية أصبحت في موقف محرج، سواء ألقت القبض عليها تنفيذا لأمر المحكمة، الأمر الذي سوف يسبب لها حرجا ديبلوماسيا، أو إذا ما تسترت على عملية تهريبها إلى الخارج، لأنها في هذه الحالة الأخيرة ستكون شريكة في التغطية على ارتكاب قوات الاحتلال الإسرائيلي جرائم حرب يعاقب عليها القانون الدولي.
أغلب الظن أن الحكومة البريطانية ستحل الإشكال بصورة أو بأخرى، لكن ما يهمنا في القصة هو نجاح المحامين الإنجليز في استصدار أمر من المحكمة بإلقاء القبض على السيدة ليفني، وهو ما لا يستطيع المحامون العرب أن يقوموا به في بلادهم «المتصالحة» مع إسرائيل، أو تلك التي تقيم علاقات «عرفية» معها. وللعلم، فإن السيدة ليفني قبل أن تذهب إلى لندن كانت في زيارة للمغرب، وباستثناء الاحتجاجات التي نظمها في الرباط بعض المؤيدين للحق الفلسطيني، فإنها قضت هناك ثلاثة أيام معززة مكرمة، كأي زائر بريء لم تتلطخ يده بالدم الفلسطيني. وما حدث في المغرب متوقع في أي دولة عربية أخرى من تلك التي حصلت على نيشان «الاعتدال»، لأنها تغض الطرف عادة عن مثل هذه الأمور. وقد كان شمعون بيريز في القاهرة قبل أسبوعين، واستقبله الرئيس حسني مبارك، ولم يتحدث أحد عن مسؤوليته عن جرائم الحرب التي وقعت في غزة، وهو رئيىس للدولة التي ارتكبت جرائم الحرب، بل إنه دافع عن ارتكاب تلك الجرائم علنا في جلسة مؤتمر دافوس التي انسحب منها رئيس الوزراء التركي الطيب أردوغان.
هذا المشهد يستدعي السؤال التالي: لماذا يتحرك مجرمو الحرب الإسرائيليون بحريتهم في بعض العواصم العربية، في حين تقلقهم بعض العواصم الغربية إلى الحد الذي يدفعهم إلى تجنبها أو الاختباء فيها؟ ردي على ذلك من شقين، الأول: إن السياسة عندنا فوق القانون، في حين إنها عندهم تحت القانون. والثانى: إن المجتمع الأهلي عندنا أضعف من أن يتحدى الهوى السياسي، والرأي العام ليس موضوعا في الحسبان، في حين أن المجتمع المدني عندهم ند للسلطة التي لا تستطيع أن تتجاهل الرأي العام أو تتحداه. السؤال موجع وباعث على الحزن على الأسى في مصر بوجه أخص، ذلك أن جنرالات إسرائيل الذين قتلوا العشرات من الأسرى المصريين في سنة 67، وأصبحوا بعد ذلك قادة سياسيين ووزراء في الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، هؤلاء أصبحوا زوارا دائمين للقاهرة بعد كامب ديفيد وأصدقاء لقادتها السياسيين، وهو ما بات يتفاخر به بنيامين بن أليعازر، أحد أشهر أولئك القتلة. الذي أصبح وزيرا في حكومات إسرائيل المتعاقبة، ومنها الحكومة الحالية.
وكان القانون عندنا لا يحترم، والمجتمع المدني أعجز من أن يقوم بما عليه، والرأي العام لا قيمة له، فذلك يقنعنا بأن إقامة الديموقراطية في بلادنا أصبحت ضمن شروط حل معضلة الصراع العربي ـ الإسرائيلى.

البرادعي يدعو لمصالحة ومصارحة وطنية وتشكيل دستور جديد للبلاد


دعا المدير العام السابق لوكالة الدولية للطقاة الذرية، محمد البرادعي، الرئيس المصري حسنى مبارك لإنشاء لجنة تأسيسية لوضع دستور جديد على أن تكون هذه اللجنة بالانتخاب المباشر، وتضم خبراء القانون الدستورى.
وتأتي الدعوة وسط احتدام الجدل داخل الاوساط السياسية والشعبية في مصر حول شروط الترشح للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها عام 2011 في ظل حالة الغموض التي تخيم على موقف الرئيس مبارك بشأن ترشحه لهذه الانتخابات.
كما تأتي دعوة البرادعي الجديدة في أعقاب الحملة الشرسة التي شنت ضده من قبل الإعلام الرسمي أو المحسوبين عليه خاصة بعد بيانه الشهير والذي ألمح خلاله إلى إمكانية ترشحه للرئاسة، إذا تحققت شروط معينة.
وتتمثل شروط البرادعي لخوض المنافسة على الرئاسة في "إنشاء لجنة قومية مستقلة ومحايدة تتولى تنظيم الانتخابات، والإشراف القضائي الكامل على مراحل الانتخابات وعملية الاقتراع، ووجود مراقبين دوليين من الأمم المتحدة لرصد مراحل الانتخابات وضمان سيرها بصورة سليمة، وأن تكون عملية الترشح مكفولة لكل مواطن مصري، إضافة إلى مراجعة لوائح الناخبين".
وقال البرادعي في حوار لصحيفة "الشروق" المصرية نشرته في عددها الصادر اليوم الخميس: "الدعوة لتغيير الدستور ليس بدافع تغيير المواد المتعلقة بطريقة انتخاب رئيس الجمهورية، ولكن لصياغة وضع سليم يقوم على إعادة فرز القيم المجتمعية القائمة فى الوقت الحالى".
اضاف: "يجب النظر إلى المستقبل، لأن تعديل الدستور لانتخاب الرئيس هدف قصير الأمد، ولن يؤدى إلى حل مشاكلنا لأنه من الممكن أن يأتى المستبد العادل عن طريق هذا الدستور".
وتابع: "يجب أن تكون هذه اللجنة، وفقا للبرادعى، معبرة عن جميع انتماءات الشعب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، لأن وظيفتها ستكون إعداد دستور جديد لا يقوم على نظام اجتماعى هش".
وأكد البرادعى: "المسألة لا تتعلق بمن سيُرشح فى 2011، ولكن بالقيم التى يود المجتمع أن يعيش فى ظلها، وبرؤيته لما يجب أن يكون عليه فى العشرين أو الثلاثين سنة المقبلة"، بحسب تعبيره مشيرا إلى أن المصدر الأساسى لتحقيق ذلك هو دستور جديد.
ولذلك، كما يقول البرادعى، "إذا كنا نريد أن نبدأ بداية جديدة وجدية فى مصر، يجب علينا أن نتوقف عن الحديث عن تعديلات لإزالة عوائق قانونية ودستورية فقط، لأن مثل هذه التعديلات قد تساعدنا فى انتخاب رئيس فى ظروف نزيهة فى عام 2011، إلا أنها تبقى مجرد عملية ترقيع. المهم هو ما يأتى بعد ذلك، فالأمر لا يتعلق بشخص واحد فقط، وإنما بمصير وطن".
يذكر ان صلاحيات رئيس الجمهورية في الدستور المصري الحالي تصل إلى 62 في المئة من الصلاحيات الدستورية، بما يسمح له بحسم الصراع مع أية قوى.
كما أن التعديلات الدستورية التى أجريت على الدستور فى 2005 ثم فى 2007 ، تجعل شروط الترشح للرئاسة تنطبق على الرئيس مبارك أو نجله فقط وتعيق نزاهة الانتخابات، حسبما يقول فقهاء دستوريون.
ومعروف أن الدستور بصيغته الحالية لا يتيح فرصاً تذكر للبرادعي للترشح للرئاسة، كما يرفض الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم المسيطر على البرلمان الحديث عن أي تعديل دستوري جديد لتخفيف الشروط التي يفرضها الدستور على الترشح.
ومن هنا يحدد البرادعى القيم الأساسية التى يجب أن يقوم عليها الدستور الجديد، وهى حق الإنسان فى حياة كريمة، وحقه فى حياة حرة، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وحذر البرادعى من تفاقم الفقر فى مصر باعتباره"أقوى أسلحة الدمار الشامل"، بحسب تعبيره، وهو الذى يرتبط فى رأيه بغياب الحكم الرشيد، وأقصر الطرق إلى التهميش والعنف والحروب الأهلية والحروب الإقليمية.
ويعبر البرادعى عن قلقه إزاء عواقب اهتراء الطبقة الوسطى، التى يعتبرها حزام المجتمع، لما سيؤدى إليه هذا الاهتراء من أن تصبح القيمة الأساسية التى تحكم مصر هى السلطة أو المال وليس العلم.
من جهة أخرى يرى البرادعى، أن مصر تحتاج إلى إجراء عملية "مصالحة ومصارحة وطنية" يجوز أن تسير بالتوازى مع عملية صنع الدستور، "لكى يصدر فى النهاية معبرا عن حقيقتنا وليس عن القناع الذى نضعه".
والمصارحة الوطنية، تعنى وفقا له، "الاعتراف بأخطائنا التى ارتكبناها ولم نتعلم منها، فليس من العيب ان نعترف بأخطائنا، لأننا لن نتعلم إلا إذا اعترفنا بها".
وأوضح البرادعى أن كلامه لا يعنى محاسبة أحد فى الوقت الحالى، لأننا "لا نستطيع فى هذه المرحلة أن نتحول بنظرنا من المستقبل إلى الماضى، فمشاكلنا اليوم أكبر بكثير من أن نتطرق منها إلى محاكمات وعقوبات، الماضى له ما له، على الأقل فى المرحلة الحالية. دعونا ننظر إلى مصر بمشاكلها الثقيلة، وكيف نسير بها إلى الأمام".

إطلاق سراح 5 من رهائن العسكرية




أطلقت الأجهزة الأمنية بمحافظة القاهرة صباح اليوم سراح 5 من رهائن العسكرية المفرج عنهم بعد قضاء مدة العقوبة الجائرة (3 سنوات) في المحكمة العسكرية الأخيرة للإخوان.



المطلق سراحهم هم: د. محمود أحمد محمد أبو زيد (الأستاذ بكلية الطب جامعة القاهرة)، المهندس أيمن أحمد عبد الغني حسانين (مهندس مدني بشركة المقاولون العرب)، د. صلاح الدسوقي عامر مراد (أستاذ بكلية الطب جامعة الأزهر)، فتحي محمد بغدادي علي (مدرس رياضيات)، مصطفى محمد محمد محمود سالم (محاسب قانوني).



ومن المقرر إطلاق سراح د. فريد علي أحمد جلبط (أستاذ القانون الدولي بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر)؛ بعد نقله من مقر أمن الدولة بالمنوفية إلى مديرية الأمن تمهيدًا لإطلاق سراحه، كما ينتظر إطلاق سراح المهندس ممدوح أحمد عبد المعطي الحسيني (مهندس حر).

الأربعاء، 16 ديسمبر 2009

دعوتنا فكرة ومنهج وأصول


الإخوة الأحباب..

تحية من عند الله مباركة طيبة.. فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد؛
فأستأذنكم في تأجيل الحديث عن الموعد الخامس مع العظمة هذه المرة، على أن أعود إليها لاحقًا إن شاء الله، وذلك بسبب ما أراه ضروريًّا في هذا الوقت الذي كثر فيه الحديث حول الجماعة، من باب وذكِّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين.. فأحيانًا ما يضطرنا الولوغ في التفاصيل طمعًا في الإجادة والتحسين إلى الابتعاد- ولو قليلا دون أن ندري- عن الأصول التي ترتكز عليها دعوتنا.. لذا كان من المهم أن نتوقف- في كل فترة- لاستعادة الذاكرة وتحديد أين نحن، وفي أي طريق نسير، ولأي أهداف نريد أن نصل؟



لقد عشت زمنًا في باكر شبابي قبل أن أنتمي إلى هذه الجماعة، وأنا غير واعٍ لدوري ورسالتي في الحياة، وحين بدأت الاتصال بهذه الجماعة فكرًا- قبل أن يكون حركةً- شعرت براحة قلبية ونفسية وعقلية عجيبة، وأدركت ساعتها أن هذا هو الطريق، وكان أن مَنَّ الله تعالى عليَّ بعد ذلك بالانتماء لهذه الجماعة المباركة، وما زلت- وسوف أظل- أذكر بالخير كل من كان له فضل في ذلك.



لقد منحتنا هذه الجماعة كل إحساس بالسعادة، والطمأنينة، والسكينة، والسلام، والرضا، والعزة، والحرية، والكرامة، فضلاً عن أنها وضعتنا على الطريق الصحيح نحو رضا الله تعالى، وخدمة الإسلام العظيم، والنهوض بالأمة، والحرص على استقرار وسلامة الأوطان.



ومن نافلة القول التذكير بأن هذه الجماعة هي ثمرة جهود الإمام المجدد حسن البنا، والأساتذة المرشدين الأماثل، والشهداء الأبرار، وهؤلاء الذين عذبوا في السجون- وفي غيرها- تعذيبًا لا يطيقه بشر، ثم هؤلاء الذين جاءوا من بعدهم @831;وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ(10)@830; (الحشر).



إن لكلٍّ فضلاً، ولكل قدرًا، ولكل دورًا في القديم والحديث لا يثيبه عليه إلا الله تعالى، وكل مأجور بإذنه وفضله ومنّه وكرمه، وأسأل الله تعالى أن يتقبل منا جميعًا.



الأخ الحبيب..

إن الجماعة لديها ثوابت وأصول بايعنا عليها، ولا يمكن أن نختلف عليها مهما كانت التحديات التي نواجهها، أو التضحيات التي نقدمها.. من هذه الثوابت والأصول:

1- إيماننا بشمولية الإسلام، وأنه نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعًا، ففيه السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة، وهو كل لا يتجزأ، وكما أنه دين فهو حضارة، وأن نهضة مصر والأمة العربية والإسلامية لا يمكن أن تتم إلا باتباع منهج الإسلام.



2- أن الجماعة تمثل ركيزة أخلاقية وإيمانية لازمة وضرورية لتماسك وقوة وصلابة المجتمع، وبالتالي أمنه واستقراره.. لذا فإن المحافظة على هذه الجماعة هي في الواقع محافظة على حاضر الأمة ومستقبلها، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وأي محاولات لتعويقها هي في الحقيقة تعويق لنهضة الأمة وتقدمها ورقيها.



3- أن منهج الجماعة في الإصلاح والتغيير هو منهج سلمي وعبر القنوات الدستورية والقانونية التي وافق عليها الشعب بإرادته الحرة، وأن علاقة الإخوان لكافة شرائح المجتمع تحكمها قيم الإسلام، وأن الشعب هو صاحب الحق الأصيل في اختيار حاكمه وممثليه، والبرنامج الذي يعبر عن طموحاته وأشواقه، ويوم أن يمتلك هذا الشعب حريته وإرادته، ويكون قادرًا على المشاركة في صنع الحياة وتقرير المصير، ويوم أن تسود في الشعب القيم الإيجابية على السلبية والمصلحة العامة على الخاصة، حينئذٍ سوف يكون للإخوان الخيار في أن ينافسوا على السلطة عبر الانتخابات الحرة والشفافة والنزيهة.



4- أن الجماعة لها وظائف ثلاث: تربوية ودعوية وسياسية، وأن هذه الوظائف بينها تناسق وتوازن وتكامل، وتكمن عبقرية القيادة في قدرتها على تحقيق أكبر إنجاز ممكن في هذه الوظائف الثلاث بأقل التكاليف والخسائر الممكنة.



5- أن العمل يجب أن يتم من خلال المؤسسة، وبروح الفريق على كافة مستويات الجماعة، وأن الشورى عندها ملزمة، وهي منهاج وخلق وسلوك، وتحدد النظم واللوائح مساحات الحركة، وعلاقات الأفراد ببعضهم، وكذا علاقات المؤسسات ببعضها في ظل منظومة القيم الأخلاقية والإيمانية، وأن الجماعة لديها ثلاث مؤسسات شورية وتنفيذية و"قانونية".



6- أن أساس التكوين والبناء الذي تقوم عليه الجماعة (فكرًا ومنهاجًا وتنظيمًا وحركةً) هو الربانية، من حيث قوة الصلة بالله تعالى وبكتابه واليوم الآخر، والالتزام بهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بسنته صلى الله عليه وسلم.



7- أن الوحدة والارتباط بين الأفراد والمؤسسات وما تستلزمه من الحب في الله تعالى والتعارف والتفاهم والتكافل، وسلامة الصدر والإيثار؛ هي القوة التي يرتكز عليها الإخوان، وقد لخصها الإمام المجدد حسن البنا في قوله: "سر قوتكم في أخوتكم".



8- أن المنافحة عن الإسلام ضد محاولات النيل منه أو تشويهه أو تعويقه، والعمل على أن يكون له دوره القائد والرائد في الحياة ورسالته إلى الدنيا؛ كلها من منطلق قوله تعالى: @831;وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)@830; (الأنبياء) من أوجب الواجبات.



9- دفع الظلم ومواجهة الاستبداد بكل الأشكال والوسائل السلمية وملاحقة الفساد، والوقوف إلى جوار الحق والعدل والحرية والمساواة، واستنهاض همم الشعوب والجماعات لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي تستهدف تركيع الأمة، وتذويب الهوية وإفساد الأخلاق، والقضاء على الخصوصية الثقافية وطمس معالم تراثنا الحضاري، ويأتي على رأس القضايا المحورية والمركزية قضية فلسطين، وما تتطلبه من عمل وجهاد دائم لتحرير الأرض وتطهير المقدسات.



10- أن جماعة الإخوان ليست فرقةً أو مذهبًا إسلاميًّا، وإنما هي كما عرفها الإمام المجدد حسن البنا هيئة إسلامية جامعة، وهي جماعة من المسلمين لها خياراتها الفقهية ومواقفها السياسية التي ترتكز على ثوابت الإسلام.



وتبقى كلمة:

إنه فيما يتعلق بالفروع لا يمكن تصور اختزال الجماعة في فكرة واحدة، أو مجموعة أفكار، وإنما هي مظلة تأوى إليها كل الأفكار طالما أنها لا تتصادم أو تتناقض مع أصل شرعي، أو أي ثابت من ثوابت الجماعة؛ لذا أحب أن أؤكد على الأمرين التاليين:

1) أن الخلاف في الفروع داخل الجماعة يمثل علامة صحة وقوة وعافية.



2) في كثير من القضايا تتفاوت الآراء والاجتهادات، وقد تلجأ قيادة الجماعة بعد المناقشة المعمقة والمستفيضة إلى إجراء تصويت، ويعتبر الرأي الذي يحصل على الأغلبية مجازًا، وهذا يدل على التزام قيادة الجماعة بالشورى، وهو ما يزيد من إيمان وثقة الرأي العام في هذه الجماعة، ويدحض كل المقولات التي تتهمها بنقيض ذلك.



الأخ الحبيب..

في الختام لا يفوتني أن أذكر نفسي وإياك بضرورة العودة إلى الوصايا العشر للإمام البنا، وركن الفهم الوارد في رسالة التعاليم له- رضي الله عنه- والمتضمن للأصول العشرين، ففيها الرصيد الأوفى لما أقول.



على الإخوان ألا يلتفتوا إلى ما يُقال هنا أو هناك، وأن ينصرفوا بكل جد كما عهدناهم دائمًا إلى أعمالهم ومهامهم ومسئولياتهم فهي كثيرة وجليلة، فضلاً عن أن التحديات التي تواجههم وتواجه أمتهم كبيرة وشرسة وضارية، والآمال المعقودة عليهم عظيمة، وليثقوا أن الله تعالى حافظ لهذه الجماعة وراعيها ومسدد لخطواتها.. وأسأل الله الكريم أن ينفعنا بما علمنا، وأن يوفقنا ويسدد خطانا لما فيه خير الإسلام والمسلمين، ولما فيه نهضة الأمة ورقيها وتقدمها.. إنه ولي ذلك والقادر عليه.. والله من وراء القصد.

الثلاثاء، 15 ديسمبر 2009

قراءة فى المشهد العام


قراءة في المشهد العام

تقرير أسبوعي يرصد باختصار أهم التغيرات الداخلية والإقليمية والعالمية

أولاً: الشأن الداخلي

1- فوضى الإعلام وأزمات السياسة:

كشفت تداعيات أحداث مباراة مصر والجزائر عن العديد من النتائج ذات الدلالة المهمة في تاريخ وطبيعة العلاقة بين البلدين؛ فقد اتضح وجود بعض التيارات الجديدة- قليلة العدد والتأثير- ضعيفة الارتباط بالتاريخ السياسي والاجتماعي الذي يعمق وشائج الشعبين.



لقد جرت تلك الأحداث في ظل فوضى إعلامية غير مسبوقة، كانت سببًا في ظهور إرهاصات أزمة سياسية بين البلدين، وهذا الأمر لا يكشف فقط عن مدى تأثير الإعلام، ولكن يكشف أيضًا عن تركيبة المصالح الخاصة الجديدة التي تدفع باتجاه الفرقة والاختلاف والانزلاق نحو الأزمات غير محسوبة العواقب.



وعلي أية حال، وبغض النظر عن التفاصيل؛ كان اتجاه الدولة للبحث عن مجالات التعاون المشترك مع "الجزائر" خطوة مهمة؛ للقضاء على محاولات إفساد العلاقة بين البلدين، والعودة بها إلى وضعها الطبيعي، ومن المأمول أن تتطور، ليس فقط على مستوى المشروعات المشتركة، ولكن لوضع رؤية للتكامل والوحدة.



2- الأفق المسدود للانتخابات الرئاسية:

في تاريخ مصر الحديث؛ فإن هذه هي المرة الأولى التي تحظى فيها الانتخابات الرئاسية بزخم إعلامي وفكري وسياسي واسع النطاق، ما بين تعدد الكتابات والآراء، وتعدد المواقف السياسية، فقد كان من المعتاد تسوية مثل هذه الأحداث خلال شهر أو شهرين على الأكثر قبل حدوثها، غير أنها هذه المرة تثير الجدل منذ سنوات.



قد يبدو أن ذلك ظاهرة صحية يمكن أن تقدم مساهمة عظيمة في التطور السياسي، وإحداث نقلة نوعية في الإصلاح، ولكنها قد تكون نقمة داعمة لاستمرار الاستبداد والإفقار؛ وهذا الأمر لا يتوقف فقط على حسن النوايا، ولكن يتطلب توافر المؤسسات والآليات لحفظ الحقوق والأعراض، وصيانة المواطنة من أية انتهاكات معنوية أو مادية؛ بحيث لا يؤدي هذا الزخم إلى فرض مرشح وحيد، ويكون الأمر برمته ما هو إلا سيناريو مصنوع ومعد مسبقًا؛ لتثبيت الواقع القائم وضمان استمراره بأشخاصه وآلياته.



لأنه على الرغم من اتساع مساحة الجدل، إلا أن مقتضيات الانتخابات الحرة والنزيهة لمّا تتوفر حتى اللحظة الحالية، وليس من المتوقع توافرها في المستقبل القريب، وقد يقضي ذلك على الآمال المحتملة بالتطور السياسي أو النقلة النوعية المنتظرة.



ويكفي الإشارة هنا إلى الافتقار للضمانات الحقيقية للنزاهة والشفافية، فالوضع السياسي والقانوني القائم لم يمنع من تجريح وإهانة من يفكر في الترشيح للرئاسة من خارج النظام الحالي، والتشكيك في وطنيته أو أهليته السياسية، وهذا الأمر يكشف عن جموح الرغبة في الانفراد بالسلطة والاستبداد بها.



ثانيًا: الشأن الإقليمي

- سياسات تفتيت القضية الفلسطينية:

تشهد القضية الفلسطينية تطورات مهمة في المرحلة الحالية، قد تؤثر بشكل مباشر على المقاومة الفلسطينية وعلى هوية القضية ذاتها.



فمن ناحية الكيان الصهيوني؛ هناك تطورات ذات دلالة على استمرار إستراتيجية الصهاينة في تغييب الهوية الفلسطينية، وهنا يمكن القول إن المحاولات الصهيونية لوقف الآذان في المسجد الأقصى تأتي في سياق السياسات التعسفية للتهجير القسري، ومصادرة الأملاك التي تجري على قدم وساق في القدس الشرقية، وصدور القانون الأخير من الكنيست الصهيوني، والذي يقضي بعدم التخلي عن القدس الشرقية ولا عن المستوطنات إلا بعد انتخابات عامة، ولا بد من التصويت على ذلك بنسبة 80% على الأقل.



وفي هذا السياق، جاء خطاب "نتنياهو" والمتعلق بالتجميد المؤقت للاستيطان في الضفة الغربية ودون القدس الشرقية فارغًا من مضمونه، فهو من ناحية استبعد القدس الشرقية من المفاوضات، كما أنه من ناحية أخرى عزَّز أوضاع المستوطنين في الضفة الغربية؛ حيث شهدت هذه الفترة تزايد الحديث عن تبادل الأراضي بين "الدولتين"، وهو ما يشير إلى احتفاظ الكيان الصهيوني بالمستوطنات القائمة وتنميتها وتحويلها إلى قرى ومدن جديدة.



وعلى المستوى الأوروبي، فقد طرحت مبادرة سويدية على الاتحاد الأوروبي للاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة "الفلسطينية"، ويمكن اعتبار هذه المبادرة تطورًا في الرأي السياسي الأوروبي، ولكنه من المؤسف أنه لدى الإعلان عن المبادرة وطرحها للنقاش، تكاثرت التحفظات والتعديلات عليها، بشكل يصعب معه توقع صياغة وثيقة منصفة وعادلة، ومن المثير أن تتقدم "فرنسا" وحدها بخمسة وعشرين تعديلاً على الورقة السويدية.



أما على المستوى الأمريكي؛ فإن تناول السياسة الأمريكية للشئون الفلسطينية في هذه الفترة يقوم على أساس دعم حركة "فتح"، ومن ثم السلطة الفلسطينية التي تخلت عن المقاومة في مواجهة حركة حماس، بحيث لا تشكل حماس طرفًا سياسيًّا في المستقبل، وهنا تعمل السياسة الأمريكية على تأخير وتهميش المكاسب السياسية لحركة حماس، فقد أوصت بتأجيل المصالحة الفلسطينية على اعتبار أنها تكرس الدور السياسي لحماس في الشئون الفلسطينية.



وفي ظل هذه التطورات، تبدو الحاجة ضرورية لدعم المقاومة، والعمل على تماسك الحركات الوطنية الفلسطينية، وتقوية العمل المشترك لصد محاولات وسياسات تفتيت القضية الفلسطينية وجرف حركة التحرر الوطني عن مسارها الطبيعي.



ثالثًا: الشأن الدولي

1- العنف الدموي والتدخل الخارجي:

تشهد مناطق عديدة في العالم الآن حالة من العنف الدموي المستمر، والذي يرتبط- بشكل واضح- بالتدخل الخارجي، وهذه الحالة لا يتوقع الخلاص منها في المدى المنظور؛ وذلك بسبب عمق المشكلات السياسية المرتبطة بالتدخل الخارجي.



فعلى مستوى باكستان، تزداد الأزمة السياسية في الدولة يومًا بعد يوم، وذلك بعد دخول الجيش كطرف في حرب يمكن اعتبارها أهلية، ولا يستطيع الخروج منها أو وقفها، وتمثلت النتيجة المباشرة لدخول الجيش في هذه الحرب المفتوحة في شن عمليات عنف ضد الجيش ورموز السلطة كان ضحيتها مئات القتلى والجرحى، وهذه الحوادث قد تعجل بانهيار السلطة، ولكنها لن توفر الأمن للمجتمع، ولم تتوقف الأزمة عند هذا الحد، ولكنها تفاقمت بدخول أطراف أخرى وسعت من نطاق العنف ليدخل المدنيون في أتون الصراع، وتقوم شركات الأمن الخاصة بدور مباشر في إشعال الأزمة وفي السيطرة على المراكز الحيوية في الدولة.



ولا يختلف الوضع في العراق عنه في باكستان، فما زال يعايش الأزمات السياسية والأمنية منذ الاحتلال الأجنبي في 2003م، وحتى الآن لم تثمر محاولات إعادة بناء الدولة والسلطة السياسية عن تهدئة وتيرة العنف الدموي ضد العراقيين؛ حيث يصبح القتلى مادة خبرية يومية.



وقد كشف الجدل حول قانون الانتخابات، وما أعقبه من أحداث دامية عن مدى التحديات التي تواجه إعادة بناء الدولة العراقية الموحدة، فالخلاف حول صيغة القانون كان حادًّا، غير أن الصيغة الأخيرة والتي أجازها البرلمان جاءت تحت ضغط أمريكي- بريطاني.



وفي الصومال، ومنذ التدخل الدولي في التسعينيات من القرن الماضي، ما يزال انهيار السلطة والصراع المسلح السمة الرئيسية لأوضاع الدولة، وتكشف حادثة الاغتيال الجماعي لحاضرين لحفل تخرج من كلية الطب في الصومال عن آثار التدخل الأجنبي، فهذه الحادثة كغيرها من الحوادث تعكس حالة القلق والصراع التي يعيشها المجتمع.



ويمكن القول إن الأوضاع الهشة في هذه الدول الثلاث، إضافة إلى الحرب الدائرة في اليمن؛ ترتبط بالتدخل الخارجي، ويساهم غياب المشروع الوطني الحر في تفاقم مشكلات الأمن والسيادة؛ ولذلك فالوصول إلى الاستقرار والأمن يتطلب الإعداد لمشروع وطني مستقل عن التأثير الخارجي.



2- قمة الناتو ومصالحة روسيا:

بعد خلافات إستراتيجية، عاد الحوار بين حلف الناتو وروسيا، وكان ذلك في قمة مجلس الناتو- روسيا والتي عقدت في بروكسيل الأسبوع الماضي، وهو ما قد يشير إلى بدء حقبة جديدة من التعاون تجاه بعض القضايا الإستراتيجية والدولية.



وقد ناقشت القمة ثلاث قضايا مهمة، تشكل أولويات عمل الحلف في الفترة القادمة، ويأتي في مقدمتها الإصلاحات الإدارية والمتعلقة بإصلاح مجلس الناتو– روسيا؛ بحيث يمكن التغلب على الأزمات الطارئة، كما تمَّ مناقشة خطة عمل 2010م، ومراجعة الأخطار والتحديات المشتركة في القرن 21، وتشير هذه الأجندة إلى رغبة الحلف في تطوير العلاقة مع روسيا، والعمل على بدء الحوار السياسي معها، والبحث عن طرق التعاون العملي.



وقد جاءت تلك القمة بعد تجميد الاتصالات بين الناتو وروسيا لما يقرب من ثلاث سنوات، وذلك على خلفية التأييد الأمريكي لإعلان كوسوفا استقلالها عن صربيا، بعد تدخل روسيا لدعم استقلال بعض الولايات عن جورجيا، وترتب على هذه الأزمة وقف التعاون الروسي مع الناتو في أفغانستان.



ومن هنا تأتي أهمية قمة مجلس الناتو- روسيا؛ كمحاولة لإنعاش الوجود العسكري للحلف في أفغانستان، وليس من المصادفة أن تعقد تلك القمة في سياق تسابق العديد من دول الحلف على إرسال مزيد من القوات (37 ألفًا) والعتاد إلى أفغانستان وبقرار أمريكي واضح.

الاثنين، 14 ديسمبر 2009

الشعوب.. بين الوعي الحقيقي والوعي الزائف





الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله، النبي الخاتم الأمين، وعلى آله وصحبه، والتابعين بإحسان إلى يوم الدين، وبعد..

فما ضاعت أمة عبر التاريخ واندحرت، وما تناثرت حضارة واندثرت، إلا بشعوب مستضعفة، مسلوبة حريتها، معتدًى على كرامتها، مزيفةٌ إرادتها.



واليوم يسعى الاستبداد بكل وسائله، والاستعمار بكافة أجهزته وأدواته، والفراعين بكل ما يملكون؛ من بطش وقمع، لإقصاء الأمة عن مشروعها الإسلامي، وذلك عن طريق احتلال الوعي الشعبي، وتحويله من وعي حقيقي بحقه في حياة حرة كريمة، يشارك في صنعها، إلى وعيٍ زائفٍ مغيَّبٍ ومخدَّرٍ، يُبعده عن حقيقة المأساة التي يعيشها.



وإن لم يكن هذا حال أمتنا، فبأي تفسير نقرأ:

- حالة الاحتدام بين شعبين (المصري والجزائري)، ربطتهما أواصر دين وقومية ولغة وجهاد وتضحية وفداء، ثم تفرق بينهما مباراة؟!



- حالة الانقسام في الصف الفلسطيني الذي يواجه عدوًّا واحدًا جاثمًا على صدر أرضه وعرضه ومقدساته وأنفاس حياته؟!



- حالة العمى التي تسيطر على العيون، فلا تبصر الأوضاع المأساوية والكارثية لأهل غزة المحاصرين بحرًا، وجوًّا، وبرًّا؟!



- حالة التناحر التي أوصلت الأخ إلى أن يفتك بأخيه في العراق وباكستان والصومال واليمن؟!



- حالة الصمت المطبق والعجز التامّ من شعوب أمتنا في مواجهة الاستبداد الذي يكبِّل إرادتها ويستهدف حاضرها ومستقبلها؟!



وليست القضية التي نتناولها اليوم هي رصد حالة التردي في وعي الأمة العربية والإسلامية، بقدر ما هي محاولةٌ للوقوف على حالة التأثير السيئ في الوعي الذي بات خطرًا يتهدد الإنسانية بكاملها، لا فرق في ذلك بين مسلم ومسيحي أو عربي وغربي.



وبالتالي فلا يمكن فصل تنامي الوعي السلبي بين جموع أمتنا تجاه الحق العربي والإسلامي عن تنامى الوعي المعادي في المجتمعات الغربية تجاه الإسلام وأهله، وهو ما يدفع الجماهير في الغرب إلى رفض الحجاب الإسلامي للمرأة المسلمة التى تعيش في مجتمعهم، كشكل معبِّر عن ثقافة مخالفة لثقافتهم، أو الوقوف ضد المآذن، أو التظاهر ضد الإسلام باعتباره دينًا يمثله بن لادن فقط!.



مسئولية الإعلام

مما لا شكَّ فيه أن صناعة الوعي يرتبط إلى حدٍّ كبيرٍ بالمسئولية الإعلامية في عصر صار فيه الإعلام هو المسيطرَ على صناعة العقول وتوجيهها، وإلا فكيف كانت ستتحوَّل مجرد مباراة كرة إلى معركة بين دولتين عربيتين إسلاميتين؟! وبأي منطق يمكن تفسير تحوُّل الانتماء إلى الإسلام إلى مجرد شعائر خالية من معاني الوحدة بين أعضاء جسد الأمة الواحد، التي راحت تفتك ببعضها في العراق وباكستان والصومال، وتترصَّد في اليمن، ولا تتناصر فى الوقت ذاته مع الفلسطينيين؟! ولماذا تتحرَّك المظاهرات في الغرب لتناصر حيوانًا يتعرَّض للانقراض ولا تتحرَّك لتناصر الإنسان الفلسطيني المقتول تحت وطأة قمع وقهر صهيوني؟ وما الذي دفع مجتمعًا يناصر الحرية والتحرر (!!) إلى قتل مروة الشربيني لمجرد أنها مسلمة محجبة؟!



إن سهم الاتهام واحد في كل إجابة عن علامات الاستفهام السابقة، ويشير إلى الإعلام الذي يصنع العقول ويرسم الوعي ويرتضي أحيانًا أن يتحوَّل من حصنٍ للعقول إلى خنجر يضرب في الظهور.



إن مسئولية الإعلام في أوطاننا مضاعفةٌ بحكم طبيعة المرحلة التي تمرُّ بها أمتنا من استهداف داخلي بالاستبداد وخارجي بالاستعمار، ولذا فإن المطلوب من الإعلام:

أولاً: تقوية وإيقاظ الإيمان الضعيف والمخدَّر في نفوس الناس إلى عظيم الدين؛ الذي يجمع أمتهم ولا يفرقها.



ثانيًا: توجيه همم الناس صوب العدو الحقيقي المتربِّص بالأمة كلها وخيراتها وأخلاقياتها وثقافتها، بل ووجودها.



ثالثًا: إحياء روح الإيجابية والمقاومة، مع الوضع فى الاعتبار أن هناك فرقًا بين مقاومة المحتل المسلَّحة ومقاومة المستبدِّ السلمية.



رابعًا: ردُّ الشبهات المثارة ضد الأمة الإسلامية، وتجلية صورتها، بعيدًا عن نمطية التخلُّف والإرهاب التي تحصرنا وتحاصرنا فيها وسائل الإعلام الغربية، وكذا إظهار الإسلام بصورته الحقيقية كدين حياة شامل يدعو البشرية كلها إلى الأمن والطمأنينة والسلام والحق والعدل والحرية @831;يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأُنثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ@830; ( الحجرات: 13).



حقيقة الوعي:

إننا نقصد بالوعي تلك الروح التي يجب أن تسري في بدن كل مسلم:

- ليستوعب حقيقة مكانة أمته التي كرَّمها الله جلَّ في علاه حين قال: @831;كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ@830; (آل عمران: من الآية 110).



- وطبيعة الصبغة الإصلاحية التي يجب أن تصطبغ بها روح أبناء هذه الأمة على كافة أصعدة الإصلاح؛ لا فرق فيها بين ما هو إصلاحٌ سياسيٌّ أو اقتصاديٌّ أو أخلاقيٌّ أو اجتماعيٌّ، وهو ما وصف به الله هذه الأمة فقال: @831;تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ@830; (آل عمران: من الآية 110).



- وأصل هذا المنهج، وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، إيمان لا يتزعزع، ويقين لا يهتز، وجهادٌ في سبيله بكل ما نملك: @831;إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ@830; (الحجرات: 15).



هذا الوعي أول طرق إيمان أمتنا بحقها، ووسائل التغيير من نفسها، وقوة الروح فيها، وتقويم الأخلاق فيها، وحال استنفار طاقة أمتنا ستأتيها وسائل القوة المادية من كل جانب، وعند صحائف التاريخ الخبر اليقين.



إن إيماننا بضرورة أن يرتكز وعي المسلمين على عقيدة، وأن يستتبع وعيهم بالإيمان عملٌ للإصلاح هو جزءٌ أصيلٌ لا يتجزَّأ من دعوة الإخوان، وعنه قال الإمام الشهيد المؤسس في رسائله: "ولا معنى لإيمان لا يتبعه عمل، ولا فائدة في عقيدة لا تدفع صاحبها إلى تحقيقها والتضحية في سبيلها".



فلا معنى لوعي بالحقوق لا يرتكز على عقيدة تحرِّكه وتؤجِّج روح الإرادة الساعية للتغيير، وساعتها لن يكون الوعي مجرد تنظير، وسيتجاوز حدود أحاديث الصالونات والمنتديات ليستحيل حركةً شعبيةً واسعةً، الكل فيها يرى في الصدح بالحق قربى لربٍّ حقٍّ، وفي سبيل رضاه يهون كل شيء، ولا فرق في هذا الوعي المرتكز على عقيدة بين عامل أو مزارع وبين سياسي أو أكاديمي جامعي؛ فالكل أمام العمل الواعي بالحقوق سواء.



وغير هذا من فَهْمٍ للإسلام وعقيدته يعتبره الإخوان اجتزاءً في فهم حقيقة الإيمان الذي دفع سيدةً من عوامِّ الناس إلى أن تُراجع على رءوس الأشهاد خليفة المسلمين عمر في قراره الخاص بتحديد المهور، حتى ردَّته فما وجد في نفسه غضاضةً من أن ينصاع للإرادة الشعبية الواعية بحقوقها ويتركَ مثلاً يُحتذى على مدار التاريخ؛ في وجوب أن يعيَ الشعب أهمية رأيه في صناعة القرار السياسي؛ فأمر مناديه (جهازه الإعلامي آن ذاك) أن يطوف الشوارع هاتفًا: "أصابت المرأة وأخطأ عمر".



ولئن كان واقع أمتنا من السوء بمكان فإن إيمانها الحقيقي غير المجتزأ هو الأمل المرتجى.. هذا الإيمان المركوز فى فطرة الأمة يحتاج إلى تنبيه وإيقاظ وتحريك، وساعتها سيخلق وعيًا يجنِّبها اليأس، من القدرة على التغيير، والسير على درب الإصلاح؛ لأن الإيمان يناقض اليأس، ويؤجِّج الحماس، ويوجد الاستعداد للتضحية والعمل على تحقيق التغيير المنشود.. لا بد من ملاحقة الفساد والتصدِّي للاستبداد؛ كي يقوم نظام اجتماعي تحرسه حكومة مخلصة لأوطانها وحامية لحقوق شعب يملك وعيًا متَّحدَ الكلمة متوقِّدَ العزيمة قوِيَّ الإيمان.



وللإخوان كلمة:

أيها الإخوان في كل مكان وعلى أي ثغر.. إن وعيكم بحقيقة دوركم، ونبل دعوتكم، وعظم غايتكم؛ يتطلَّب منكم أن تكونوا حملة راية الوعي الحقيقي في مواجهة رايات الزيف والتزوير، لا نستثني منكم صغيرًا أو عاملاً أو ربة منزل، فالكل أمام المسئولية الآنية سواء، ولكلٍ دوائره التي يتحرَّك فيها، والآذان من حولكم صاغية لكم, فاغتنموا الفرصة ولا تضيِّعوها، وضعوا الناس معكم على المحكِّ، وما خُلِّدت ذكرى مؤمن آل يس إلا لصدعه بالحق أمام الناس جميعًا: @831;وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ@830; (يس: 20).



وحتى تدركوا ويدرك معنا الناس طبيعة المرحلة التي تحياها أمتنا؛ يكفي أن نشير إلى الصفحة الـ31 من كتاب "الديانة اليهودية" للباحث "إسرائيل شاحاك"، الذي ساق فيه رأي الجنرال "شلومو غازيت"؛ الذي كان قائدًا سابقًا للاستخبارات العسكرية الصهيونية، والذي يحدد فيه دور الكيان الصهيوني في المنطقة (موقع إسرائيل الجغرافي في وسط الشرق الأوسط العربي- المسلم؛ يجعل قدر "إسرائيل" أن تكون الحارس الوفي للاستقرار في كامل البلدان المحيطة بهـا، إنَّ دورها هو حماية الأنظمة القائمة؛ لمنع عمليات التحوُّل الراديكالية أو وقفها، وعرقلة اتساع الحماسة الدينية الأصولية، ولهذه الغايـة ستمنع "إسرائيل" حصول تغييرات ماوراء حدود "إسرائيل"، التي تعتبـرها تغييراتٍ لا تطاق، وإلى حـدِّ إحساسها بأنها مجبرةٌ على استخدام كلِّ قوتها العسكرية من أجل منعها، أو اجتثاثها".



فلئن كانت هذه هي رؤية العدو الصهيوني فإن دوركم أيها الإخوان في إيقاظ وعي أمتكم ورد الكيد عنها نفرة لله @831;يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إلَى الأَرْضِ..@830; (التوبة: من الآية 38).. إنها دعوة للنفرة السلمية؛ لإعادة صياغة وعي الناس بما يتناسب وطبيعة المرحلة.. فاحذروا أن تتقاعسوا عن رسالتكم فتكونوا ممن يُستبدل بهم @831;إلا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ويَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ولا تَضُرُّوهُ شَيْئًا واللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ@830; (التوبة: من الآية 39).



فاعملوا وسيروا واثبتوا، وأيقنوا بغد أمتنا، وأن الله تعالى يورث الأرض من شاء من عباده الصالحين @831;وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ@830; (آل عمران: 139) @831;وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ@830; (العنكبوت: 69)؛ فاللهم اجعلنا ممن يعي ويوعي فترتفع رايات عزِّ أوطانه في الدنيا ويكون من أهل الجنة في الآخرة.



وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


رسالة من: محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين

السبت، 12 ديسمبر 2009

مستقبل الإسلام في الغرب وقطع رقاب المساجد السويسرية


بقلم : راشد الغنوشى


لقد مثّلت موافقة أغلب السويسريين في استفتاء عام، على حظر إقامة المآذن، صدمة كبرى لمسلمي أوروبا ولعامة المسلمين وللقوى التحررية، لما عرف به هذا البلد من تسامح وحياد، وخلو ّتاريخه من ميراث استعماري، حتى تم اختياره مأوى للمركز الأممي لحقوق الإنسان فكيف حدث ذلك؟ وما آفاق تطوره؟ وما الرد المناسب؟
أولا: خطوات الشيطان
1- جاء الاستفتاء الذي نظمته السلطات السويسرية حول مسألة تشييد المآذن بالنتيجة المنتظرة، الحظر، تعبيرا عن تصاعد المد اليميني الفاشي، وجزءا من حالة أوروبية عامة، عبر عنها حظر الحجاب في فرنسا والرسوم الدانماركية المسيئة, واغتيال الشربيني في قاعة محكمة.. حالة من الكراهية والتوجس تضافرت على تشكيلها عوامل عدة: تنامي مشاعر الخوف من الإسلام وغلبة النظرة السلبية إليه باعتبار أنه ليس رحمة وعدلا وأخوة إنسانية بل هو تهديد ماحق للهوية الغربية ومكاسبها الحداثية وأنماط حياة تعتز بها، هو الخطر على الأبواب، بل "العدو بين أظهرنا".
"الإسلام لم يعد كما كان في التاريخ مجرد عدو يلاقيه الغرب في ميادين القتال بل تحول إلى خطر داخلي يهدد -في نظر المتعصبين- المجتمعات الأوروبية وحضارتها"ذلك ما يدندن حوله القسم الأعظم من المراكز الإعلامية والأكاديمية ودوائر إنتاج الفنون والمعرفة حول الإسلام، وبالخصوص بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول العاصفة. فقد خرجت صبيحتها جريدة لومند أهم صحف فرنسا حاملة هذا العنوان على امتداد غلافها: "كلنا أميركان"، فالذي يجرؤ على النيل من زعيم القوم فقد اعتدى على القوم كلهم، لا سيما والولايات المتحدة قد ملكت من أدوات القوة الناعمة ناهيك عن الصلبة ما مكّنها من تحويل ما أصابها مأساة إنسانية وتهديدا لجملة التمدن الغربي، يقوده الإسلام!!
الإسلام الذي لم يعد كما كان في التاريخ مجرد عدو يلاقونه في ميادين القتال -ومنذ مائتي سنة وحروب الغرب عليه تدور في أرضه- بل حوّله وجود أقليات مسلمة متنامية ترفض الذوبان وتحرص على هويتها وتميزها في أنماط حياتها في زمن تراجع غربي قيمي وديمغرافي، خطرا حقيقيا داخليا يهدد في نظر جماعات التعصب والكيد المشهد العام لهذه المجتمعات وحضارتها.
2- تهيّأت الأجواء لتيارات أقصى اليمين ذات الأصول المسيحية الوثيقة الصلة بالتراث النازي والفاشي أن تتحالف لأول مرة في التاريخ مع الجماعات اليهودية ذات النفوذ الواسع، وقد كان العداء بينهما مستحكما، إلا أن المخططات الإمبريالية والتقارب البابوي مع اليهود وتبرئتهم من دم المسيح إلى جانب ما قام ويقوم به الإعلام والفكر اليهودي من غسل للأدمغة، نجح في تجسير الهوة بين الطرفين على خلفية حضارة مشتركة يطلقون عليها الحضارة المسيحية اليهودية في مواجهة عدو مشترك للجميع هو الإسلام، مع أن الحقيقة الموضوعية أن المسيحية أقرب للإسلام المعترف بها، من اليهودية الكافرة بها.
3- إثر سقوط الاتحاد السوفيتي كانت حاجة البنتاغون والفكر الإستراتيجي الخادم له إلى عدو تحشد في مواجهته القوى وراء القيادة الأميركية، ماسّة، فتم ترشيح الإسلام. وكان للعناصر اليسارية الصهيونية المنقلبة إلى معسكر اليمين المحافظ دور كبير في ذلك.
لقد كان خطاب إسحاق رابين رأس الكيان الصهيوني في البرلمان الأوروبي (أحسبه 1993) صريحا في لفت نظر الدوائر الغربية إلى هذا الخطر بشكل صريح وقوي، لتعميد الإسلام موقع العدو والخطر الداهم. ومصداق ذلك جاء في صحيفة هآرتس 18/2/2009 "الإعلام الإسرائيلي يحاول منذ سنوات عديدة تسويق إسرائيل باعتبارها فيلا في غابة، ونوعا من واجهات العرض المتقدمة للغرب في مواجهة الإسلام المتطرف. نحن نتلقى الصواريخ في سديروت ونقصف غزة، حتى ننقذ باريس ولندن. قادة إسرائيل يشتكون من عدم إحساس الغرب بخطر الإسلام".
4- وجاءت كارثة 11 سبتمبر/أيلول مصدّقة لهذه الأطروحة، تقدّم لكل عدو متربص بالإسلام والمسلمين سلاحا فتاكا وحجة دامغة لترسيخ وتوسيع دائرة الإسلاموفوبيا تخويفا من الإسلام وتحريكا لمخزون العداء التاريخي للإسلام. وسرعان ما تلاحق مسلسل المصائب بتفجير القطارات في لندن ومدريد من قبل عناصر تقيم بين ظهراني المجتمعات الغربية، وبعضها من مواليد الغرب ويحمل جنسياته وتعلم في مدارسه بما يجعله مستحقا لصفة "العدو الذي يعيش بيننا" وهو الوصف الذي أطلقه حزب أقصى اليمين في بريطانيا على الأقلية المسلمة.
5- يزيد ولا شك من تأجيج هذه العداوة وإذكاء نيرانها فشو البطالة بأثر الأزمات الاقتصادية، مما يتيح الفرصة للدعاية المضادة للأقلية المسلمة في الغرب أن تقدم كبش فداء، على أنها المتسببة في هذه البطالة والمعتاشة من أموال الضمان الاجتماعي، دون وقوف على التناقض بين التهمتين.
"في خضم المنافسات الانتخابية غدت الحرب على المهاجرين تجارة رابحة في كسب أصوات الناخبين من طريق تحميل المهاجرين كل المصائب والإخلال في البلد وهو ما يفتح باب المزايدات تباريا في الحملة على الإسلام"6- وفي خضم المنافسات الانتخابية غدت الحرب على المهاجرين ومعظمهم مسلمون تجارة رابحة في كسب أصوات الناخبين من طريق تحميل المهاجرين كل المصائب والإخلال في البلد من بطالة وتراجع للخدمات وفوضى، وهو ما يفتح باب المزايدات تباريا في الحملة على الإسلام والأقلية المسلمة والمهاجرين.
7- لم يقتصر التوظيف السياسي للمهاجرين -ومعظمهم مسلمون- على جماعات أقصى اليمين، فعندما يفتح سوق المزايدة والربح السريع يقل التعفف، فانساقت أحزاب اليمين المعتدل، وانجرفت في إثرها جماعات اليسار، وقطاع واسع من النخبة السياسية والإعلامية والفكرية والدينية، وبعضها اليوم يعبر عن صدمته إزاء نتيجة الاستفتاء السويسري، بينما هو بالأمس القريب مثل بابا روما يحذر النخبة الأوروبية من الافتتان بالإسلام مدعيا سفاهة على خاتم الأنبياء أنه لم يأت البشرية بخير. ألم ينعت الرئيس الفرنسي السابق الاتحاد الأوروبي بأنه ناد مسيحي، وحقّر برلسكوني الحضارة الإسلامية ومنعت فرنسا الحجاب بينما يتأسف وزير خارجيتها اليوم على ما صدر في سويسرا!!
8- إن هذا الحظر يعبر عن فشل الأقلية المسلمة في سويسرا وفي عموم الغرب في تحويل وزنها العددي إلى قوة سياسية للدفاع عن نفسها وكسب أنصار داخل القوى التحررية، رغم الجهود المبذولة، بسبب عزلتها وتشرذمها وتدني مستوى وعيها العام وانشغالها بخلافات مستوردة من العالم الإسلامي، وانكماشها وتأثر بعض أوساطها بفقه التشدد في النظرة إلى غير المسلم وإلى العلاقة معه وفي الموقف من المرأة ومن الفنون.. وقد يبلغ التشدد حد الإجرام كالإقدام على القتل بذريعة حماية الشرف والسرقة بذريعة استباحة مال غير المسلم!! وهي جرائم يحدث مثلها كثيرا في الغرب بدوافع أخرى ولكن الإعلام المعادي المتربص يخص هذه بأكبر كمية من الأضواء لتركيز وإشاعة فكرة الخطر الإسلامي وتهديد النمط المجتمعي السائد.
9- إن نتيجة هذا الاستفتاء ثمرة لتفاعل موروثات تاريخية غربية، مع جملة من المستجدات، ذلك أن فكرة التعدد الديني والعرقي والثقافي فكرة حديثة النشأة في الغرب، بما في ذلك التعدد داخل المسيحية ذاتها، فلقد سالت أنهار من الدماء لمئات السنين بين طوائف المسيحية، حتى تم التوصل إلى تسويات، عزل بمقتضاها الدين في المجال الخاص، ولذلك ما أمكن للإسلام أن يحضر في الساحة الأوروبية خلال العصور الوسيطة إلا حاملا سيفه، فإذا فلّ حده وانسحب تعرّض للإبادة ما خلّف وراءه من مسلمين مسالمين، فلم يكد يسلخ مسجد في أوروبا الغربية من عمره أزيد من قرن، بينما الكنائس والبيع في حواضر الإسلام ظلت أبدا جزءا من بنيته على امتداد تاريخه.
فما حصل من حظر سويسري لبناء المآذن هو نكوص إلى عهود الحروب الدينية وتبشير متجدد بها وتعبير عن أزمة تعيشها الحداثة الغربية، وفشل حقيقي في امتحان التمدن الإنساني القائم على احترام الإنسان وحقوقه وحرياته ومنها حرية الدين والاعتقاد. إنه كشف لما تحت طلاء الحضارة من توحش وبداوة. وتمركز حول الذات يبلغ حد وحدة وجود علماني.
10- كما أن هذا العدوان على الأقلية المسلمة السويسرية (حوالي نصف مليون) يعبر عن أزمة العالم الإسلامي (مليار ونصف) وتشرذمه وتخاذله عن تقديم الدعم الكافي لأقلياته المنتشرة في العالم، تباشير فجره وأنواره المتقدمة، كما تفعل الدول المحترمة في حماية أقلياتها. ولكم أن تتصوروا ماذا كان يحدث لو كان المستهدف بالمنع جزءا من شريعة يهودية كالتذكية (الكاشير)، التي حصلت في سنوات سابقة في سويسرا ذاتها محاولة لإجراء استفتاء حولها بذريعة حماية الحيوان فانتفضت الجماعات اليهودية وأجهضت المحاولة.
إن الأقليات المسلمة تعاني حالة يتم، بسبب تفرّقها وهامشيتها وما تلقاه من خذلان الإخوة. نحن هنا لا نتحدث عن معتصم يحرك جيوشه لحماية امرأة مسلمة.. نتحدث عن ستين دولة منتظمة في منظمة المؤتمر الإسلامي لو أن وزاراتها الخارجية تحركت على الأقل كما فعلت إيران وتركيا وإندونيسيا وليبيا فدعت سفراء الدولة المعنية للاستفسار وتقديم مذكرات احتجاج أو دعت سفراءها للتشاور، أو هددت بسحبهم أو أعادت النظر في المبادلات الاقتصادية أو هددت بالمقاطعة الاقتصادية أو أقدمت على سحب استثماراتها وقطع البترول بمثل ما فعلت ليبيا احتجاجا على اعتقال نجل رئيس الدولة.
"إن ترك تلك الأقليات لنفسها، مع أهميتها المستقبلية البالغة في الدفاع عن المصالح الإسلامية والعربية، جريمة قومية ووطنية وإثم عظيم الله سائلكم عنه أيها الحكام والعلماء والإعلاميون والنقابيون"واضح أن الخلاف حول مسابقة رياضية يمكن أن يفعل من أجله كل ذلك، أما الإسلام ونبيه ومساجده وأقلياته فليست شيئا في حساب هذه الدول، بل الحيطة الواطئة، بل بعض مسالكها المستهترة بالإسلام شجعت هؤلاء، ألم تكن تونس الأسبق لحظر الحجاب ومنع رفع الآذان وشنائع أخرى لم تنفرد بها. العالم الإسلامي يتحمل مسؤولية فيما وقع من عدوان على الإسلام وأهله في سويسرا وتكرر مثله وأشد في بلاد أوروبية أخرى ومرشح للتفاقم أمام تصاعد تيارات اليمين المتصهينة. إن ترك تلك الأقليات لنفسها، مع أهميتها المستقبلية البالغة في الدفاع عن المصالح الإسلامية والعربية، جريمة قومية ووطنية وإثم عظيم الله سائلكم عنه أيها الحكام والعلماء والإعلاميون والنقابيون.. في الحديث الصحيح "ما من امرئ مسلم ينصر مسلما في موضع ينتهك فيه عرضه وتستحل فيه حرمته إلا نصره الله تعالى في موطن يحب فيه نصره وما من امرئ خذل مسلما في موطن تنتهك فيه حرمته إلا خذله الله في موضع يحب فيه نصره".
ثانيا: إلى أين يتجه التحريض؟
يتجه في حده الأدنى إلى فرض العزلة والانكماش على الإسلام وأهله لمنع تحول كمّهم المتصاعد إلى كيف، إلى قوة انتخابية مؤثرة، كل المؤشرات تدل على أنه إذا استمرت الأوضاع تتطور بشكل طبيعي فإن الإسلام قابل للتحول خلال العقود القادمة إلى مكون رئيسي من مكونات المجتمعات الغربية، بما لا يمكن معه لصانع القرار الغربي إلا أن يأخذه بعين الاعتبار، وبالخصوص في كل ما يتعلق بالإسلام وأمته، وهو أمر غير مسبوق، وبالغ الأهمية لأنه كفيل بوضع حد للتحارب السجال بين الأمتين العظيمتين أمة الإسلام وأمة الغرب ولكنه يقض مضاجع جماعات التعصب من كل صنف، فتواصل الليل بالنهار في جهد منظم ناصب لقطع الطريق.
وفي حده الأقصى: تأليب كل القوى ضدهم بما يبرر ويشجع العدوان عليهم، ويولّد ردود أفعال عنيفة داخلهم، تعطي مزيدا من المشروعية للدفع نحو الحسم، بما لا يستبعد معه الوصول إلى تجدد قصص الطرد الجماعي والاعتداء بالجملة (الأندلس، البوسنة..). الثابت أن اللوبي الصهيوني الشديد النفوذ، يرى بوضوح أن الوجود الإسلامي في الغرب يمثل أعظم تهديد لمصالحه التي اشتغل لتحصيلها مئات السنين حتى اتخذ الغرب أداة لنفوذه العالمي وعدوانه على المسلمين، ويرى في نمو الوجود الإسلامي في الغرب تهديدا جادا لمكاسبه وأطماعه، مع أن ما يهدد الإسلام وأهله ومؤسساته في الغرب لن تقف ناره إذا اندلعت على الأقلية المسلمة بل ستطال الأقليات الأخرى ومنها الأقليات اليهودية النافذة، وهو ما أخذ ينبه إليه بعض اليهود. ورد في بيان الاتحاد السويسري للمنظمات اليهودية استنكاره للاستفتاء وتحذيره من تصاعد مد التعصب (القدس 29/11/2009).
ثالثا: العلاج
- أن تخرج تلك الأقليات من عزلتها وتغادر خلافاتها الصغيرة وتنخرط في الحياة السياسية في الأحزاب القائمة، وتبحث لها عن حلفاء وأصدقاء وتخرج لها متحدثين باسمها أكفاء مثل طارق رمضان وعزام التميمي، من أجل أن تحول كثرتها العددية إلى قوة سياسية، فتكون لها القدرة على الدفاع عن نفسها. الغرب متعدد، فليس كله يمينا فاشستيا وجماعات صهيونية، رغم ما تتمتع به هذه من نفوذ واسع.
في الغرب ومنه سويسرا قوى تحررية تناضل ضد التعصب والفاشية والإمبريالية والصهيونية مرشحة للتعاون مع الأقلية الإسلامية، كما حصل في بريطانيا خلال الحرب على العراق سنة 2003 حيث ظهر تحالف بين التيار الإسلامي وبين طيف واسع من الجماعات البريطانية النقابية واليسارية المضادة للعولمة الإمبريالية وللصهيونية، وأمكن لذلك التحالف أن يقود مظاهرات مليونية، ضد الحرب. ورغم أن بلير مضى إلى الحرب لا يبالي إلا أن أثر تلك المسيرات لا يزال يلاحقه.
للأسف لا تزال نزوعات المحافظة هي الغالبة على الوجود الإسلامي في الغرب، مما يدفعه إلى العزلة وبالخصوص أمام ما يشن عليه من حملات عاتية منظمة من قبل خصومه، فينكمش ولا يبحث عن حلفاء له على أساس قضايا إنسانية ووطنية مشتركة، بما تتمكن به هذه الأقليات من الدفاع عن نفسها في إطار حقوق الإنسان.
"على مسلمي الغرب أن يغادروا مواقع التشرذم والعزلة والانكماش وينخرطوا في مشاغل مجتمعاتهم وهمومها لتغيير الصور النمطية السلبية المرتسمة عن الإسلام أنه دين حرب وعداوة متأصلة للحريات وللنساء وللفنون"والخشية من ردود أفعال طائشة تعتمد العنف، تكون نتائجها كارثية أشد مما كان لسابقاتها، بما يوفر الوقود الكافي لمحارق جديدة في أوروبا تعيد للذاكرة فظائع الأندلس والبوسنة، بينما يمكن تحويل الاستفتاء مادة توعية ويقظة واندماج إيجابي. إن على مسلمي الغرب أن يغادروا مواقع التشرذم والعزلة والانكماش وينخرطوا في مشاغل مجتمعاتهم وهمومها لتغيير الصور النمطية السلبية المرتسمة عن الإسلام أنه دين حرب وعداوة متأصلة للحريات وللنساء وللفنون، صورة تصادم من كل وجه أنه رحمة للعالمين وعدل وإخاء وحرية.
- هناك عقبات قانونية أمام تحول نتيجة الاستفتاء إلى جزء من الدستور، وينتظر تفعيل كل الأدوات القانونية داخل سويسرا وعلى الصعيد الأوروبي لإبطال قانون يتناقض مع أصل حقوق الإنسان: حرية المعتقد، وما كان للحكومة السويسرية أن تسمح بالاستفتاء على الحقوق الأساسية للإنسان. أي مسوغ يمكن لصاحب دين أن يتحكم في هيئة العبادة لأهل دين آخر؟ هو التحكم المحض.
- البحث عن حلفاء وسط كل التيارات المستهدفة بعودة النازيين الجدد, وبكلمة: هذه محنة يراد لها أن تفضي إلى محارق، ويمكن أن تتحول إلى منحة تؤصّل الوجود الإسلامي إذا تمت معالجة الأسباب بجدّ "وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم" (215/2) لاسيما ونحن في زمن ثورة الإعلام وقوة الصورة وتنامي سلطة الرأي العالمي، بما لم يعد ميسورا معه الإقدام على مذابح جماعية تأتي على الملايين (في أوروبا 30 مليونا مسلما) إلا أنه إذا استمرت نفس الأسباب فكل شيء يغدو ممكنا "لله الأمر من قبل ومن بعد، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله" (3/30).

قمة الجوع والفقر


بقلم : هشام الهلالى
"الجوع كافر" هى عبارة مصرية خاصة مائة فى المائة ، ودائما ماتتردد فى هذه الايام بعد ان ضاقت احوال الناس ، بسبب افعال الحكومات البائسة المتعاقبة على مصر المحروسة ، وفى الآونة الاخيرة عقدت فى روما وعلى مدار ثلاثة ايام ، وكان عنوانها الرئيسى قمة الجوع بمشاركة قادة 60 دولة، القمة بدأت دراماتيكية حيث أعلن المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) جاك ضيوف صومه عن الطعام لأربع وعشرين ساعة، اثناء انعقاد قمة حول الأمن الغذائي وبعدها بساعات قليلة انضم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وعمدة روما جياني اليمانو إلى ضيوف فى الصوم عن الطعام لمدة يوم كامل تعاطفا مع الجوعى المنتشرين فى جميع انحاء المعمورة ، المدير العام لمنظمة الفاو قال "إن العالم يمتلك الوسائل التقنية والموارد من أجل استئصال الجوع من العالم، لكن الأمر يتعلق بالإرادة السياسية ، الجوعى فى العالم وصل تعدادهم الى اكثرمن مليار نسمة بعد ان كانوا فى نهاية العام 2008، 900 مليون جائع ، وترجع منظمة “الفاو” ذلك الى الأزمة الاقتصادية العالمية والتى زادت من تفاقم الوضع بتأثيرها على العمالة وتعميق حدة الفقر.

ولم تنس المنظمات الحقوقية المصرية والعربية ان يكون لها دور على هامش قمة الجوع حيث وجهت 48 منظمة حقوقية مصرية وعربية، رسالة إلى قادة العالم المجتمعين بالعاصمة الإيطالية روما خلال قمة الغذاء ، طالبت فيها بإدراج انتهاك “الحق في الغذاء” ضمن الجرائم ضد الإنسانية،وقالت المنظمات، في بيان لها، إن “مشاهدة طفل إفريقي يموت جوعا على شاشات الفضائيات هو بمثابة مشاهدة جريمة قتل بدم بارد سبقها تعذيب بطيء”. وتابع البيان: “مشاهدة طفل يموت جوعا لا تختلف عن مشاهدة الجرائم “الإرهابية” والقتل الجماعي فالفرق بينهما أنه في الأولى القاتل غير ظاهر ومجهول بالنسبة للضحايا وفي الثانية القاتل واضح ومعلوم ويعلن عن مسؤوليته عن جريمته”.

المفاجأة الكبيرة حدثت من منظمة العفو الدولية ، حيث طالبت في تقرير جديد السلطات المصرية باتخاذ خطوات فورية لحماية سكان القاهرة الأكثر فقراًَ، والذين قالت إنهم يعيشون في مناطق غير آمنة ويتهددهم خطر سقوط كتل صخرية ومخاطر أخرى ، ووجه تقرير المنظمة الصادر بعنوان (دُفنوا أحياءً: سكان المناطق العشوائية في القاهرة بين فكي الفقر والإهمال) تأنيباً شديداً للسلطات المصرية على ما اعتبره تقاعسها عن اتخاذ خطوات فعالة لحماية سكان منطقة الدويقة، وهي منطقة عشوائية في حي منشأة ناصر بالقاهرة، من انهيار صخري مميت في 6 سبتمبر 2008،
التقرير دعا السلطات المصرية إلى تخفيف حدة المخاطر التي تهدد الأرواح في المناطق غير الآمنة في القاهرة الكبرى وعددها 26 منطقة، وحماية حقوق السكان في الصحة والمسكن الملائم، مشيرة إلى أن الحكومة المصرية لم تقم باجلاء السكان الفقراء من منطقة الدويقة قبل وقوع كارثة عام 2008، بالرغم من أن خطر الانهيار الصخري كان أمراً معروفاً ، الغريب فى الامر ان السلطات المصرية اكدت إن حادث الإنهيار الصخري في الدويقة أدى إلى مصرع 107 أشخاص وإصابة 58 شخصاً بجروح، لكن الناجين من الكارثة أكدوا أن أعداد القتلى والجرحى أعلى من ذلك، وأن الكثير من أفراد أسرهم ما زالوا في عداد المفقودين .

مالكوم سمارت مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية قال إن آلاف الفقراء في مصر يقعون فريسةً بين فكي الفقر والإهمال ما قد يؤدي في نهاية الأمر إلى موتهم، ويتعين على الحكومة المصرية أن تسارع إلى معالجة المخاطر التي يواجهها من يعيشون في مناطق تُوصف بأنها غير آمنة، وأن تعمل على إيجاد حلول بالتشاور مع المتضررين بشكل مباشر ، وانه لا يزال كثير من سكان الدويقة وغيرها من المناطق غير الآمنة، يعيشون في خوف على منحدرات خطرة أو تحت خطوط كهرباء ذات توتر عال لأنهم لم يجدوا أي مكان آخر يلوذون به، بعدما حُرموا من أن يكون لهم صوت فعال وقُوبلوا بالتجاهل إلى حد كبير من أولئك الذين بيدهم مقاليد السلطة ،وأن سكان المناطق العشوائية يعيشون حياة تتسم بالحرمان والإهمال وافتقاد الأمان واستمرار خطر الإخلاء القسري، مبينا انه ينبغي على الدولة أن تضمن حق هؤلاء السكان في المسكن الملائم وأن تضع حداً لعمليات الإخلاء القسري ، والواضح من كلام عم سمارت انه لسه جديد ومايعرفش ان المصريين يعيشون تحت اى ظروف بائسة او ضاغطة ، وربما فوقها ايضا والحكومة فى مصر المحروسة ياعم سمارت علمت الناس تمشى على الحبل وجنب االحائط وربما داخل الحوائط ، وهذا شئ تراه الحكومة جيدا لكى يتعايش الناس الغلابة مع أحلك الظروف ، يمشوا على خط الفقر وتحت خط الفقر ، والجديد عندنا فى مصر ان الناس ملاقيتش حاجة تعيش فيها ، قاموا بنوا عشة فوق خط الفقر ، لكن للاسف خط الفقر اصبح مهدد بالانهيار زى صخرة الدويقة واحتمال ينقطع فى اى وقت .

مكرم محمد أحمد اتهزم يا رجّالة


بقلم : د.جابر قميحة


(أنبِّه القارئ إلى أنني كتبت هذا المقال مساء الثلاثاء 8/12/2009م، بعد أن ظهرت النتيجة الأولى لانتخاب نقيب الصحفيين، وقبل أن تُجرى عملية الإعادة يوم الأحد القادم 13/12/2009م).

بعد هذه الملاحظة أبادر ابتداءً بالاعتذار للممثل سعيد صالح الذي كان يقوم بدور الطالب الفاشل "مرسي الزناتي" في مسرحية "مدرسة المشاغبين"، واضطرت مدرسته الجادّة إلى تأديبه، بعد أن أساء الأدب إليها، وإلى النظام، وأدت "عملية التأديب" إلى كسر ذراعه؛ وهو خبر حملته وكالات الأنباء، وأعلنته إذاعات العالم (كما يُخرف ويدعي)، وكان رأس الإعلان الصاخب- على حد قوله- "مرسي بن المعلم الزناتي اتهزم.. يا رجّالة".

أقول أعتذر لهذا الممثل؛ لأن "واجب الأمانة واللياقة" كان يلزمني أن أستأذنه؛ فهو- من وجهة نظري حتى لو كانت سطحية- صاحب "مِلكية أدبية" لهذه العبارة المشهورة.
********
وأنا أستصحبها لأعلن "بالفم المليان": "مكرم محمد أحمد اتهزم يا رجالة"، ولو كنت مكانه لانسحبت فور ظهور النتيجة الأولى، وأيًّا كانت نتيجة الإعادة فإنني أؤكد أنها ستكون هزيمة نكراء للسيد مكرم محمد أحمد؛ حتى لو نجح "بمعيار الأرقام".

ووراء حكمي هذا الحقائق والأسانيد الآتية:
1- ضآلة فارق الأصوات بينه وبين الأستاذ ضياء رشوان الذي يخوض الانتخاب لأول مرة في حياته، أما مكرم فيخوضه لرابع مرة، والأستاذ ضياء يعتمد على نفسه وعلى محبيه ومقدريه، أما مكرم فالحقيقة أنه رجل النظام الحاكم الذي يسانده بكل ثقله، وبوسائل الإعلام الحكومية من مقروءة، ومسموعة، ومرئية، مع حرمان ضياء رشوان من كل أولئك.

2- رفض مكرم أن يحضر- تلفازيًّا- مناظرة بينه وبين غريمه الذي دعا إليها، مع أن عقد المناظرات بين اثنين متنافسين على موقع رياسي؛ عرْف مشهور في العالم كله.

ولكننا للأسف وجدنا كرم جبر "ملك تكية (روز اليوسف)" في برنامج 90 دقيقة مساء الإثنين 7/12/2009م يبرر هذا الرفض بأنه قد يقود إلى مهاترات وخروج عن الأصول المرعية، وكذب كرم؛ لأن العرف السائد في العالم كله كما ذكرت أنا. وكرم هذا معروف بالاندفاع، والتبرير والمغالطة فيما يذهب إليه، ولا أنسى أنه في برنامج تلفازي- في مقام الدفاع عن طلعت مصطفى المتهم بقتل سوزان تميم- قال كرم: "ولماذا يحرص على مثل هذه المرأة؛ مع أنه بماله يستطيع أن يشتري "لوري" من أجمل نساء العالم؟"، وكانت لطمة له عندما رد عليه المحامي فريد الديب قائلاً: "أخطأت؛ كان عليك أن تقول: لوري من "عاهرات" نساء العالم".

وأنا أعتقد أن مكرم رفض المناظرة؛ لأنه عاجز عن تقديم فكر منتظم، وكلام مترابط محكوم بمنطق عقلي، والمواقف القيادية تحتاج إلى الاتزان، وإعمال الفكر قبل الإقدام على قول أو فعل.

3- وقد شاهدت مكرم محمد أحمد تلفازيًّا في برامج متعددة، فكان دائمًا يصب جام غضبه وحقده الأسود على "الجماعة المحظورة"، ويقصد جماعة الإخوان.. ومن كلماته المشهورة ما يعد إهانة للقرآن إذ قال: "إن الإخوان إذا دخلوا قرية أفسدوها"، ومفهوم المخالفة- كما يقول الفقهاء- يتلخص من وجهة نظره في أن أعضاء الحزب الوطني إذا دخلوا قرية أصلحوها وعمروها ورفعوها، وقضوا على الفاقة فيها؛ والواقع المعيش يقول العكس يا مكرم؛ فهؤلاء يحكمهم الحرص على الثراء بأي طريقة، فهم يكثرون عند الطمع، ويقلون- بل يختفون- عند الفزع، وأذكره باثنين من قيادات هذا الحزب هما: أحمد عز ومحمد أبو العينين، سافر كل منهما إلى السودان يوم مباراة مصر والجزائر بطائرته الخاصة، وكانوا أسرع الناس في العودة.. كل بطائرته، تاركين اللاعبين المصريين، والمشجعين، وللأسف لم تشر صحيفة حكومية لهذا التصرف.

4- أن هذه الطبيعة ليست جديدة على السيد مكرم محمد أحمد، بل هي متجذرة في أعماقه من سنوات بعيدة، يقطع بذلك تصريحاته ومقالاته على مدى سنوات سابقة، ونكتفي بقطوف أساسية من واحد من هذه المقالات.
********
فعندما كان رئيسًا لمجلس إدارة دار الهلال، ورئيس تحرير مجلة (المصور) كتب مقالاً صدر به "مصوره" الصادر في 17/11/2000م يتدفق بالأغاليط والاختلالات والتناقضات، ويعطي انطباعًا واضحًا بأنه يعيش أوهامًا لا أساس لها، بل لا وجود لها في الواقع، وإلا فكيف يحكم بأن "ثمة إجماعًا وطنيًا كبيرًا على أن الانتخابات الأخيرة (انتخابات مجلس الشعب سنة 2000م) كانت طفرة مهمة على طريق الإصلاح السياسي، وأن الاقتراع داخل قاعات التصويت جرى بنزاهة كاملة.

ولست أدري من أين أتى سيادته بهذا "الإجماع الوطني الكبير" إلا إذا كانت كلمة "الوطني" منسوبة إلى "الحزب الوطني" لا إلى "الوطن" مصر.

ونسى- سيادته- أو تناسى أن "الكارثة" لم تكن داخل القاعات، ولكن خارجها: حصارات كاملة ومنع الناخبين من الدخول للإدلاء بأصواتهم في لجان "معينة"، والقبض على المرشحين وأنصارهم "من غير الحزب الوطني"، واستخدام الكلاب والبلطجية والرصاص.. إلخ.

والواقع المر الدامي الذي رأيناه بعيوننا، وعاشه الشعب في هذه الانتخابات، ينقض الزعم الذي طرحه السيد مكرم؛ وهو أن "الحزب الوطني" كان أكثر الجميع تضررًا من الصعوبات الإجرائية التي ظهرت في الانتخابات.

وهي نكتة ساذجة ثقيلة الدم: "فهل أضير الحزب الوطني باعتقال مرشحي الأحزاب الأخرى والمستقلين وأنصارهم ووكلائهم، وضرب السيدات المحتشمات، ومنع دخول اللجان إلا لمن يحملون بطاقة الحزب الوطني، أو يحفظون كلمة سر معينة متفق عليها؟!

وللأسف ما زال مفهوم الأغلبية عند السيد مكرم متخلفًا، فهو لا يعتمد على صحة الانتماء، وصدق الاعتناق، ولكن يعتمد على "الترقيم العددي" و"التسجيل الدفتري".. والشعب كله يعرف أن عضوية الحزب الحاكم هي جواز لتحقيق الانتفاع والمصالح الشخصية، وإني لسائل: كم من هؤلاء التحقوا بالحزب اقتناعًا بمبادئه بعد دراستها، وموازنتها بمبادئ الأحزاب الأخرى؟ وكم من هؤلاء على استعداد للتضحية، وتحمل محنة السجن والاعتقال، والإرهاب والتعذيب التي تعرَّض لها الإخوان المسلمون؟ وكم من هؤلاء يستطيع أن ينفذ إلى قلوب الشعب، وعقول أبنائه، ويقنعه بمبادئ الحزب، ويحببها إليه؟ وكم من هؤلاء استطاع أن يربي شبابًا "عقائديًا" يمكن أن تتكون منه كوادر مستقبلية لها قيمتها؟ وكم من قادته ينزل إلى صفوف الشعب بلا حراسة، بل في ترسانة حربية كثيرًا ما تعطل المرور بالساعات؟

ويوجه السيد مكرم "مدفعه الرشاش" إلى الإخوان المسلمين؛ لأنهم "أجرموا" باشتراكهم في الانتخابات، ونجاح سبعة عشر نائبًا منهم، ويصفهم سيادته بأنهم أقلية قادرة قامت "باختطاف حق تمثيل الجماهير، اعتمادًا على قدرتها التنظيمية".

وأقول لسيادته إن حكمه هذا- لو صح- لوجب أن تدرس خطط هذه الأقلية القادرة في الأكاديميات العسكرية والإدارية؛ حتى يمكن تعميمها على مستوى الأمة كلها.. إنها- إذن- أقلية ذات قدرات خارقة؛ لأنها تمكنت من "اختطاف" 17 مقعدًا بعد أن هزمت آلاف الجنود المسلحين بالمدافع والعصي والقنابل المسيلة للدموع، وكذلك مئات من البلطجية ومحترفي الإجرام، ومئات من الكلاب البولسية الضارية، وقذائف الإعلام الموجهة، والدعايات الصحفية المسمومة، وقوافل حاملات الناخبين المأجورين، وملايين الجنيهات التي دفعت رشاوى لشراء الأصوات.. إلخ إذ كانت هذه "القلة" قد أحرزت النصر على كل هؤلاء، وأولئك فهي "قلة" لا نظير لها، بل هي الكثرة الحقيقية بمفهومها القيمي الشامخ الصحيح.

وهو يصر على ألا يذكر اسم جماعة الإخوان إلا مقرونًا بوصف المنحلة أو المحظورة، أو غير الشرعية، كما يصفها بأنها "تستثمر الظروف العملية كي تمارس دورها المحظور كجماعة سياسية"، ويرى أن الجماعة "لن يكون في وسعها- على وجه الإطلاق- أن تصبح حزبًا سياسيًّا إلا إذا تخلصت من جلدها".

ويزعم أن جماعة الإخوان "المحظورة" تتعاطف مع جماعات العنف والتطرف، وخصوصًا الجهاد والجماعة الإسلامية، وربما تنسق معها "كذا"، ويقول عن بيانات الإخوان التي تدين عنف هذه الجماعات "إن الفحص الدقيق يؤكد أنها لم تكن بيانات إدانة بقدر ما كانت بيانات اعتذار تختلق لهؤلاء المبررات".

ولن نسأل سيادته عن طبيعة "هذا الفحص السحري الدقيق لبيانات الجماعة"، ويكفي أن يعرف أن هذه الجماعات تضع الإخوان في قفص النقد والاتهام، وترى أن اشتراك الإخوان في الانتخابات خروج على الالتزام الإسلامي، ووصل الاتهام أحيانًا إلى التكفير.

وترتفع نبرة الاتهامات المكرمية، فبدلاً من أن يدين الحكومة وقوانينها الاستثنائية في التسلط على النقابات وتعطيل انتخاباتها، وإدخالها تحت الحراسة؛ نراه يحرف الحقيقة، وينحرف بها، فيرى "أن جماعة الإخوان مزقت هذه النقابات، وأدخلتها حربًا أهلية، فتنازع أمرها فرقاء عديدون، حتى تعطل نشاطها، وأصبحت تحت حراسة القضاء.

ولن أقف أمام هذا الاتهام الساقط، فأغلب النقابيين يؤمنون، ويؤكدون أن النقابات المهنية لم تعش عصرها الذهبي: أمانة، وخدمات، وحسن أداء، إلا في "عهدها الإخواني" كما يحلو لبعضهم تسميته، وأحيل السيد مكرم على شهادة- بل شهادات- الدكتور حمدي السيد نقيب الأطباء الذي أكد هذه الحقيقة.

وانطلق يتحدث بلسان الواثق المتأكد المؤكد عن نواب الإخوان الذين فازوا، ووضعوا أنوف "الوطني" في الرغام، وانتصروا على المصفحات، والمدافع الرشاشة، والتزوير، والكلاب المدربة على الهبر والهبش والنهش، يقول سيادته بالفم المليان: "إن الأمر المؤكد أن هؤلاء سوف يلجئون- بين الحين والآخر- إلى افتعال بعض الأزمات لتمييز موقفهم، داخل المجلس كجماعة معارضة لها شعاراتها، وأهدافها، وبرنامجها، وهذا يمكن أن يؤثر على استقرار الحياة النيابية، خصوصًا إذا ما جاوز هؤلاء الخطوط الحمراء، وأخلوا بمعايير السلامة والأمن القومي.

ويكمل السيد مكرم بقية "غيبياته" فيؤكد أن قيام حزب سياسي للإخوان المسلمين "سوف يجر الدولة- شئنا أم أبينا- إلى إنشاء حزب ديني قبطي؛ لنضع بأيدينا أسس الفرقة والتمزق الطائفي، ونحفر بأيدينا قبرًا ندفن فيه وحدتنا".

وهذا تهويل منفوش، فنشوء حزب قبطي خاضع لضوابط وقيود قانونية لا يعني تحقيق الفرقة والتمزق والتضحية بالوحدة "الوطنية، وقد صرَّح الأستاذ مأمون الهضيبي- نائب المرشد العام للإخوان- بأن الإخوان لا يرفضون، ولا يعارضون نشوء هذا الحزب، كما أعلن الدكتور عصام العريان أحد القياديين في الإخوان أن "حزب الإخوان المرتقب لن يمانع في التحاق الأقباط بعضويته "(أخبار اليوم) 18/11/2000م"، ولا يخفى على أحد أن الإخوان لم يعرفوا يومًا التعصب ضد الأقباط، ومعروف أنهم أيدوا المرشح القبطي "منير فخري عبد النور" في مواجهة المرشح "المسلم" الذي حاول إثارة فتنة دينية طائفية.
********
وبعد هذه الإبانات ألا ترى أنني- يا قارئي العزيز- على حق إذا ما قلت كان الأكرم لمكرم ألا يكرر الترشح لمنصب النقيب للمرة الرابعة، بعد أن بلغ الثامنة والسبعين، أو- على الأقل- كان عليه أن ينسحب بعد ظهور النتيجة الأولى؟!!

فهو ساقط.. ساقط.. حتى لو حصل على أغلبية عددية؛ فقد رأينا- وما زلنا نرى- أنه فقد وما زال يفقد "الأغلبية القيمية" بمنهجه التابع للأسياد، وكتاباته وتصريحاته العصابية المختلة، وحـرصه المتشبـث المستميت على... "كرسي النقيب".. وطبعًا هو لم يسمع، لم يقرأ قول الشاعر:
تعالى اللهُ يا سلمَ بن عمْرو أذل الحرصُ أعناقَ الرجالِ
( وأكرر أنني أكتب هذا المقال مساء الثلاثاء 8/12/2009م).
********
تذييل:
ما زال الحديث حتى اليوم يدور حول مباراة مصر والجزائر.. وأنا أسأل- على فرض وقوع أخطاء من الجانبين، أو من الجانب الآخر- هل يكون ذلك سببًا لقطع الصلة بين الشعوب؟

والعدل كان يقتضي محاسبة فريقنا على الخسارة، ومحاسبة أنس الفقي، بل إقالته بسبب إعلامنا المنحرف الذي صرف المواطنين عن قضاياه الحيوية إلى العبثيات.

والمذهل أن نقرأ في الصحف ما يأتي:
1- قرار المجلس المحلي بقرية "الجزائر" بالوادي الجديد، بمحو اسمها، ويكون اسمها الجديد: قرية "مبارك المصريين!!!!!".

2- وكذلك قرية "الجزائر" في إحدى قرى المنيا بالصعيد، تقرر جعل اسمها "الفاروقية"

3- ويقال إن النية متجهة إلى إطلاق اسم حسن شحاتة على شارع الجزائر بالمهندسين.وكبارنا يجهلون قاعدة اجتماعية مشهورة وهي أن "المعاصرة حجاب"، أي: يجب ألا يطلق اسم شخص على مؤسسة أو شارع إلا بعد انتقاله إلى العالم الآخر؛ لأنه في حياته قد ينحرف، ويفقد ولاءه للوطن.

وأخذًا بمنطق السادة الكبار؛ لنفرض أن ما حدث بيننا وبين الفريق الجزائري حدث مع فريق سوري، فهل نلغي شارع "سوريا" في المهندسين، ونستبدل به اسمًا آخر؟، وهل نمحوا اسم "ميدان الحجاز" بمصر الجديدة، إذا حدث مثل ما حدث بيننا وبين فريق الكرة السعودي؟أفيقوا أيها السادة... الكبار جدًّا... قبل فوات الأوان.

إحالة 28 مديرًا أزهريًّا للتأديب لاعتراضهم على عزل زملائهم!



أصدر الدكتور محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهر قرارًا بإحالة 28 مديرًا لمعاهد أزهرية للتأديب بمقر قطاع المعاهد الأزهرية؛ لاعتراضهم على قراراته الصادرة بعزل حوالي 125 مديرًا للمعاهد، تعرض فيها بعض الطلاب للإصابة بوباء إنفلونزا الخنازير، رغم رصد فِرَق التصدي للوباء بقطاع المعاهد الأزهرية التزام المديرين بالتدابير الوقائية للتصدي لـ"الخنازير".

واحتوت رسائلهم الاستنكارية المقدمة لشيخ الأزهر هجومًا حادًّا على قطاع المعاهد الأزهرية، واتهامه بأنه السبب في اختراق الوباء للمعاهد الأزهرية؛ بسبب ضعف الدعم المادي والدعم الإرشادي الذي حال دون فهم الدور المنوط به المدير للتصدي لانتشار الوباء، مؤكدين أن التًّهم الموجهة لزملائهم باطلة؛ لأنهم بذلو أقصى وسعهم في تنفيذ التعليمات، مشددين على أن الإدارة تُخْفِي قصورها بمعاقبة من لا ذنب لهم.

وأكد الشيخ محمد خليل مدير معهد أزهري وأحد المحالين إلى التأديب أن عزل أكثر من 125 مديرًا بالمعاهد الأزهرية عقاب دون ذنب؛ يُخْفِي قصور قطاع المعاهد الأزهرية عن أداء دورها الكامل في أخذ الاحتياطات لعدم انتشار الوباء، واكتفائها بإلقاء جملة من التحذيرات والتعليمات المشددة دون توفير الدعم المادي والإرشادي الذي يتناسب مع حجم وضخامة الوباء، مشددًا على أن إحالتنا للتأديب قرار تعسفي نتيجة شكوانا التي اعترضنا فيها على عزل زملائنا دون ذنب، حيث أكدت فِرق التصدي للوباء بالقطاع التزامهم الكامل بالتعليمات.

وطالب الشيخ علاء سالم مدير معهد أزهري وأحد المعزولين الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر ورئاسة قطاع المعاهد الأزهرية بالتراجع عن هذه القرارات غير القانونية، والتي لا تتسق بما واجهته وزارة التربية والتعليم مع مدراء ومعلمي المدارس بسبب انتشار الوباء، مؤكدًا أن القرارات في الأزهر تَصْدُر من خلال تقارير مغلوطه تُدِين مسئولين صغارًا قاموا بواجبهم بشكل كبير وليس لهم ذنب في الأزمة؛ لصالح مسئولين قصروا في أداء واجبهم الكامل، وعدم إتاحة الإمكانات للتصدي للأزمات التي تواجه العملية التعليمية في الأزهر الشريف.

وأضاف الشيخ عمر غلاب مدير معهد أزهري أن الأزهر يعاني عجزًا كبيرًا في الإمكانات والترتيبات التي تَبِعَتْ تفشي الوباء، خاصةً الإمكانات المادية والدعم الإرشادي المفترض توافرها من جانب القطاع والمشيخة، مؤكدًا أن الإدارة التعليمية بالأزهر لا تستطيع مواجهة الأزمات، وتتهرَّب من المسئولية بقرارات تعسفية تعاقب مديري المعاهد؛ باعتبار أنهم أصحاب السيادة الكاملة على المعاهد التي يديرونها، وأن القصور عائد إليهم بمفردهم، محذرًا من العواقب الوخيمة التي ستتبع هذه القرارات، والتي قد تؤدي إلى فتح ملفات فساد تُدِين شخصيات مهمة بالأزهر متعلقة بأزمة التصدي لوباء الخنازير وأزمات أخرى لاحقة.

كان قطاع المعاهد الأزهرية أصدر قرارًا بعزل حوالي 125 مديرًا لمعاهد أزهرية بمحافظات: الشرقية، والبحيرة، والدقهلية، والإسكندرية، والمنوفية، ودمياط، وإحالتهم إلى وظائف إدارية بالمناطق التابعين لها بعد إصابة طلابهم بفيروس إنفلونزا الخنازير، رغم صدور تقرير القطاع بالتزامهم بتعليمات التصدي لوباء الخنازير بمعاهدهم.

مفاجأة: دعم صهيوني لـ"مكرم" بـ700 "لاب توب"!!


كشف موقع إليكتروني- يُدعى جريدة العرب السياحية "المسلة"- عن مفاجأة من العيار الثقيل؛ حيث قال إن السفير الصهيوني الجديد في القاهرة يتسحاق ليفانون أعرب عن اعتذاره الشديد لمكرم محمد أحمد المرشح لمنصب نقيب الصحفيين عن المشكلات التي سببها التقرير الذي بثه "راديو العدو الصهيوني"، عقب الجولة الأولى من انتخابات نقابة الصحفيين يوم الأحد الماضي.



وقال المستشار الإعلامي للسفارة الصهيونية في القاهرة: إن السفير أكد أن التقرير الإذاعي كان في إطار التغطية العادية لانتخابات نقابة الصحفيين والأحداث التي شهدتها مثل أي إذاعة أخرى، وكان التعليق الذي صاحب التقرير بشأن التحذير من فوز ضياء رشوان هو رأي الإذاعة؛ نظرًا لما لمكرم من علاقات متميزة مع الكيان الصهيوني، وخوفًا من تولي رشوان الذي ينتمي للمعسكر الرافض للتطبيع مع الكيان.



وأضاف أن السفير أعرب عن دعمه لمكرم محمد أحمد؛ للفوز بالانتخابات في جولة الإعادة المقررة الأحد، مشيرًا إلى أن السفير قدَّم 700 جهاز كمبيوتر كهدية لمصالحة مكرم عن المشكلات التي سببها التقرير، كما أكد إمكانية دعم النقابة بأي وسيلة يطلبها مكرم محمد أحمد لدعمه في الحملة الانتخابية.



وأكد مستشار السفارة الصهيونية أن علاقة متميزة تحتفظ بها السفارة مع النقيب السابق مكرم محمد أحمد؛ وهو ما دفع السفير الجديد للاعتذار عن سوء الفهم غير المقصود ودعمه لمكرم في حملته؛ استمرارًا لتلك العلاقة المتميزة، والتي كانت مزدهرة مع السفير السابق شالوم كوهين خلال أربع سنوات مضت.



وكانت جريدة (الأهرام) الحكومية نقلت على لسان مكرم في عددها الصادر أمس الجمعة (11 ديسمبر) أنه سيقوم بعقد دورات تدريبية لجموع الصحفيين إلى أن يحصل كل صحفي على "لاب توب"، مشيرًا إلى أنه في حال فوزه سيقوم بعمل قرعة الجمعة القادمة لاختيار 200 صحفي ممن سبق لهم التدريب للحصول على "لاب توب"، على أن يتم إجراء قرعة أخرى الجمعة بعد المقبلة لاختيار 200 صحفي آخرين إلى أن يصل العدد إلى 700 "لاب توب"!!؛ وهو ما يتسق مع التصريحات الصهيونية.



ومن جانبه، قال وليد عبد الرحمن رئيس التحرير التنفيذي للموقع لـ"إخوان أون لاين": لقد جاء الخبر من مصدر للمجلة، وصمت مكرم عليه منذ نشره مساء أمس دليل صحة لأنه لم ينفه، رغم أن الكثير من الزملاء اتصلوا به للتعليق على الخبر".



وأضاف أن مكرم معروف عنه أنه من أكثر المنادين بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، وأوائل الصحفيين الذين سافروا مع الرئيس السادات إلى الكيان، فضلاً عن دوره البارز في وقف التحقيق مع د. هالة مصطفى، بعد استضافتها السفير الصهيوني في مكتبها بـ"الأهرام".



يُذكر أن وسائل الإعلام الصهيونية تحتفي بـ"مكرم" كمرشح على منصب النقيب، وأعلنت دعمه ضد ضياء رشوان، مؤكدة أنه "ليس هو إلا المنقذ الذي سينقذنا من كراهية الصحفيين المصريين لنا"، على حد تعبيرهم!.

مصر.. 3 حالات وفاة جديدة بالخنازير ترفع الضحايا إلى 48




أعلنت وزارة الصحة اليوم وفاة 3 حالات جديدة بفيروس إنفلونزا الخنازير؛ ليصل إجمالي حالات الوفاة إلى 48.



وأوضحت الوزارة في بيانٍ وصل (إخوان أون لاين) أن الحالة 46 لسيدة تدعى شيماء جمال إبراهيم، تبلغ من العمر 18 عامًا من محافظة القليوبية، تم حجز المريضة بالمستشفى وهي تعاني أعراضًا تنفسيَّةً شديدةً وحالتها الصحية حرجة، وتم نقلها إلى وحدة الرعاية المركزة ووضعها على جهاز التنفس الصناعي، وهي حامل في 24 أسبوعًا، وتاريخها المرضي يشير إلى إصابتها بروماتيزم بالقلب، وضيق وارتجاع بالصمام الميترالي، وارتجاع بالصمام الأورطى.



وكانت الحالة 47 لرجل يدعى بيومي سلامة بيومي، مصري الجنسية يبلغ من العمر 58 عامًا، من محافظة الدقهلية، وتم حجزه بالمستشفى وهو يعاني أعراضًا تنفسيةً شديدة، وحالته الصحية حرجة؛ حيث تم نقله إلى وحدة الرعاية المركزة ووضعه على جهاز التنفس الصناعي، والتاريخ المرضي للحالة يشير إلى إصابته بمرض السكري، وضيق بالشريان التاجي، وسدة رئوية مزمنة.



والحالة 48 لرجل يدعى كمال أحمد محمد من محافظة سوهاج، يبلغ من العمر 54 عامًا، تم حجزه بالمستشفى وهو يعاني أعراضًا تنفسيةً شديدة، والتاريخ المرضي له يشير إلى إصابته بسدة رئوية مزمنة، وداء السكري، وارتفاع بضغط الدم.