الخميس، 26 نوفمبر 2009

ماذا أضفنا للحياة؟


د. علي الحمادي


في الثلاثينيات من القرن الماضي كان هناك طالب جديد التحق بكلية الزراعة في إحدى جامعات مصر، وعندما حان وقت الصلاة بحث عن مكان ليصلي فيه فأخبروه أنه لا يوجد مكان للصلاة في الكلية، ولكن هناك غرفة صغيرة ( قبو) تحت الأرض يمكن أن يصلي فيه. ذهب الطالب إلى الغرفة تحت الأرض وهو مستغرب من الطلاب في الكلية لعدم اهتمامهم بموضوع الصلاة ، هل يصلون أم لا ؟!؟

المهم دخل الغرفة فوجد فيها حصيرًا قديمة وكانت غرفة غير مرتبة ولا نظيفة، ووجد عاملاً يصلي ، فسأله الطالب : هل تصلي هنا ؟!؟ فأجاب العامل : نعم ، لأنه لا يوجد أحد آخريصلي معي، ولا توجد غير هذه الغرفة. فقال الطالب بكل اعتراض : أما أنا فلا أصلي تحت الأرض. و خرج من القبو إلى الأعلى ، وبحث عن أكثر مكان معروف وواضح في الكلية و عمل شيئًا غريبًا جدًا ‎ !!! وقف وأذن للصلاة بأعلى صوته !! تفاجأ الجميع و أخذ الطلاب يضحكون عليه ويشيرون إليه بأيديهم ويتهمونه بالجنون. لم يبال بهم ، جلس قليلا ثم نهض وأقام الصلاة و بدأ يصلي و كأنه لا يوجد أحد حوله. ومرت الأيام .. يوم .. يومين .. لم يتغير الحال ... الناس كانت تضحك ثم اعتادت على الموضوع كل يوم فلم يعودوا يضحكون .. ثم حصل تغيير ..

صعد العامل الذي كان يصلي في القبو وصلى معه.. ثم أصبحوا أربعة و بعد أسبوع صلى معهم أستاذ ؟؟ ‎ ! انتشر الموضوع وكثر الكلام عنه في كل أرجاء الكلية ، استدعى العميد هذا الطالب وقال له : لا يجوز هذا الذي يحصل ، أنتم تصلون في وسط الكلية !!!، نحن سنبني لكم مسجدًا عبارة عن غرفة نظيفة مرتبة يصلي فيها من يشاء وقت الصلاة. وهكذا بُني أول مسجد في كلية جامعية. ولم يتوقف الأمر عند ذلك ، إذ أن طلاب باقي الكليات أحسوا بالغيرة فبنوا مسجدًا في كل كلية في الجامعة.

هذا الطالب تصرف بايجابية في موقف واحد في حياته فكانت النتيجة أعظم من المتوقع .. ولا يزال هذا الشخص سواء كان حيًا أو ميتًا يأخذ حسنات وثواب عن كل مسجد يبنى في الجامعات ويذكر فيه اسم الله ... هذا ما أضافه للحياة.. فبالله عليكم ماذا أضفنا نحن للحياة؟!

لقد تحدث القرآن الكريم عن فضيلة الإيجابية في مواضع كثيرة بألفاظ مثل المسارعة والمسابقة والمنافسة، مثل:

قوله تعالى: "إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ " [الأنبياء:90].

وقوله تعالى: "وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ " آل عمران:114].

وقوله تعالى: "وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدِّتْ لِلْمُتَّقِينَ" [آل عمران : 133 ].

وقوله تعالى: " سَابِقُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ" [ الحديد 22].

وقوله تعالى: " وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ " [ المطففين :26].

وتحدث القرآن عن تلك الجماعة التي أنكرت على أصحاب السبت فسادهم – في سورة الأعراف – وكان شعار هذه الجماعة المؤمنة هو الإعذار إلى الله ، حيث لما قال السلبيون: " لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا" .. قال الإيجابيون: " مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ " [الأعراف : 164].

وقد بينت السنة النبوية أهمية هذه القيمة الإسلامية العظيمة، فيقول (صلى الله عليه وسلم): "إن قامت الساعة و في يد أحدكم فسيلة ، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها " [صحيح، أحمد، عن أنس ].. فبين أن يكون المسلم إيجابيًا حتى قيام الساعة .. وحتى آخر رمق في حياته.

وقال (صلى الله عليه وسلم): "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ ..." الحديث [ مسلم، عن أبي سعيد ] .. فبين أن يكون المسلم إيجابيًا على الفور، حيث الفاء هنا في " فليغيره" للسرعة، حيث الإسراع في تغيير المنكر واجب كما أن تغيير المنكر نفسه واجب آخر .

وروى البخاري عن النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ أسْفَلَهَا، وَكَانَ الَّذِينَ فِي أسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا! فَإنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أرَادُوا هَلَكُوا، وَهَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجُوا جَمِيعًا ".

إن هذا كله رسالة واضحة إلى أصحاب النفسيات المريضة الذين اتخذوا من كلمة "وأنا مالي"، أو "مش أنا اللي هيغير الكون"، أو "خلِّيك في حالك"، أو "يا عم انت مالَك، أنا في حالي وانت في حالك" شعارًا لهم، حيث ناموا عن الحق، وتركوا الباطل يكبر حتى أوشك على إهلاك الجميع؛ فهؤلاء لا يصلحون للعيش في الحياة؛ لأن الحياة تحتاج إلى الإقدام والمبادأة والمبادرة، وأن يكون هناك سبق التقدم.

يقول الشاعر:

تأخرتُ أستبقي الحياةَ فلم أجدْ لنفسي حياةً مثلَ أنْ أتقدما

24 خطوة تجعلك شخصية جذابة


الشخصية المغناطيسية أو الكاريزماتية: هي من الصفات الإيجابية التي إن تحليت بها وأدرجتها في منهاجحياتك؛ وفقك الله سبحانه وتعالى إلى أن تكون من زمرة الناجحين والمحبوبين.
إليك بعض الإرشادات التي عليكِ اتباعها لتصبحين شخصية مغناطيسية كريزماتية


1- ابتسمي دائما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تبسمك في وجه أخيك صدقة) رواه الترمذي وحسنه.

2- بالكلمة الطيبة والمجاملة الصادقة تأسرين قلوب الآخرين.

3- فكري قبل أن تتكلمي، واختاري الكلمات المناسبة؛ وإن لم يكن لديك ما تقولينه: ابقي صامتة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو فليسكت) متفق عليه.

4- لا تتكلمي بسرعة، واحرصي على أن يكون كلامك واضحاً.

5- ابتعدي عن الجدال والنقاشات الحادة.

6- عاملي الآخرين كما تحبين أن يعاملوك، وأشعري كل من تقابلينه بأنه مهم؛ بغض النظر عن انطباعك عنه، بهذه الطريقة سوف تحوزين على إعجاب الجميع.

7-التمسي لغيرك الأعذار، وابتعدي عن اللوم والعتاب.

8- تعلمي كيف تنصتي واستمع لمن حولك وأعطيهم كل الاهتمام والانتباه، أظهري تأييدك لهم وتعاطفك معهم.

9- ابتعدي عن الغضب.

10-هادي من حولك؛ فالهدية مفتاح سحري، يقربك من الآخرين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(تهادوا تحابوا)حسنه الألباني.

11- تدربي على حفظ الأسماء، ونادي كل شخص باسمه؛ فهذا من شأنه أن يشعرهم بالخصوصية.

12- اهتمي بمظهرك الخارجي.

13- استخدمي لغة الجسد بطريقة تتناسب مع مضمون حديثك؛ فأصحاب الشخصية المغناطيسية: يجيدون لغة الجسد وهذا يؤهلهم ليصبحوا قياديين.-انشري حولك التفاؤل والأمل.

14- تحلي بالتواضع والتسامح وعاملي الجميع باحترام.

15- تحلي بالهدوء واللباقة، فإن كان أسلوبك هادئا متزنا: انجذب الآخرون إليك، وإن كان خشنا قاسيا نفروا منك.

16- قفي أو اجلسي بطريقة مستقيمة.

17- أجلسي مقابل من تتحدثين معها، ولا تجلسي مكتوفة الأيدي، وأبعدي يديك عن وجهك.

17-ثقي بنفسك وأفصحي عن مشاعرك.

18-كوني صادقة وابتعدي عن الزيف والكذب.

19- راقبي تعابير وجهك؛ هل تنبئ عما يدور في ذهنك وعن مشاعرك الداخلية.

20- انظري إلى المرآة، تخيلي نفسك تحادثين شخصاً ما، راقبي حركات يديك، دوني ملاحظاتك حول ما يتوجب عليك تغييره.

21- حاولي تطوير مهارات التواصل لديك.

22- لا تنتقدي الآخرين، وشاركيهم أحزانهم وأفراحهم.

23-لا تكثري من الضحك والمزاح؛ فهذا يفقدك المهابة والوقار.

24- كوني صبورة؛ فالصبر من الصفات التي يحبها الله عز وجل.

من هم الذين يحبهم الله؟


تحدث القرآن الكريم عن أكثر من عنوان في ميزان القيمة الروحية والعملية لنماذج الناس الذين يحصلون على محبة الله.


المحسنون:


قال تعالى: (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين)، والمقصود بهذا النموذج الإنساني الإيماني أولئك الذين يحسنون العمل لله، بأداء كل شروطه، وتحقيق كل مفاهيمه، وتجسيد كل قيمه، وكذلك بالإحساس إلى الناس في القيام بحقوقهم ومساعدتهم وإعانتهم في حاجاتهم الخاصة والعامة.وقد تحدث الله عن خطاب قوم قارون له: (وأحسن كما أحسن الله إليك)، حيث كانوا ينصحونه بأن يحرك ما أنعم يحرك ما أنعم الله به عليه من كنوز الأرض في خط الإحساس لنفسه، فلا يظلمها بالتكبر والتجبر، وفي خط الإحساس للناس، فيتحمل مسؤولية في مساعدتهم من ماله. والله تعالى يقول: (وأتوهم من مال الله الذي أتاكم)، (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم).أما جزاء هؤلاء الذين أحسنوا في علاقتهم بالله وبالناس وبالحياة، فليس إلا الإحساس يتبعه افضل من الله تعالى في الزيادة على ذلك، فقال تعالى: (هل جزاء الإحساس إلا الإحساس)، وقال تعالى: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة)، إلى غير ذلك من الآيات.


التوابون:


قال الله تعالى: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)، فقد أراد الله من عباده الخاطئين، أن يتراجعوا عن خطأهم، وأن يصلحوا أمرهم ليعودوا إليه، وليحصلوا على القرب منه من خلال مواقع رضاه، وتعهد لهم أن يقبل توبتهم ويعفو عنهم ويغفر لهم ذنوبهم، كما جاء في قوله تعالى: (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم). وقوله تعالى: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون). وقوله تعالى: (يا أيها الذين أمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار)، إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على سعة ساحة التوبة؛ لأنها توحي بأن الإنسان التائب يختزن في نفسه الخشية من الله على ما أسلف من الذنوب، ويرجو رحمته، ويحب العودة إليه للسير في خط العبودية له، نادما على ما فعل الماضي، وعازما على تغيير ماضيه السييء إلى ما يحببه إلى الله، كما ورد أن الله يحب العبد المفتن التواب، فيمحو له كل ذنوبه، ويخرج بالتوبة كيوم ولدته أمه، ((فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له)).


المتطهرون:


قال الله تعالى: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين).المتطهرون هم أولئك الذين يتحركون في خط طهارة الجسد، مما فرضه الله من واجبات الطهارة الجسدية التي تنفتح على طهارة روحية معنوية في معنى القربة إلى الله، كما جاء في قوله تعالى: ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون )، بالإضافة إلى الطهارة من النجاسات الخيثة القذرة للجسد وللثوب، ولكل ما يرتبط بحياة الإنسان الخاصة في أرضه ومنزله.ومن جانب آخر، فإن الله يوجه الإنسان إلى الطهارة الروحية من خلال العطاء المتمثل بالصدقات التي يدفعها المؤمن زكاة في بعض مواردها، وصدقات وفرائض مالية أخرى، وذلك هو قوله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)، باعتبار أن الصدقة، بما يتمثل فيها من روحية العطاء، تطهر النفس من قذارة البخل، ومن الذاتية المنغلقة عن الإنسان، في حاجاتهم الخانقة، وفي أمورها الحياتية الخاصة.إن الإسلام يؤكد الطهارة الداخلية للإنسان، من خلال طهارة العقل في إدراكه للحق، وطهارة الشعور في انفتاحة على النية الخالصة للإنسان كله، بعيدا عن رذالة الحقد والبغضاء، وطهارة الحركة التي لا تنطلق إلا من أجل العدل والخير والحياة. ولذلك وقف الإسلام موقفا سلبيا من الذين يضمرون الكفر ويظهرون الإيمان، وهم أهل النفاق، أو الذين يختزنون في قلوبهم نية الشر للناس ويخططون لتدمير السلام في واقع الإنسان كله.


المتقون:


ومن الذين يحبهم الله المتقون، كما جاء في قوله تعالى: (بلى من أوفي بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين). وإذا دققنا في مسألة التقوى كعنوان إسلامي روحي عملي، فإننا نستطيع أن نختصرها بكلمة واحدة، وهي الالتزام بالإسلام كله في عباداته وأخلاقياته ومفاهيمه الحركية، في التزامات الإنسان المؤمن الخاصة والعامة. وربما نستوحي ذلك من الكلمة المأثورة: ((أن لا يفقدك الله حيث أمرك، ولا يجدك حيث نهاك))، بحيث يمثل الخضوع الكامل لله في أوامره ونواهيه، تجسيدا للعبودية في الانفتاح على توحيد الله في ربوبيته المطلقة للإنسان كله وللوجود كله، فيكون الله- في موقعه هذا- معه، كما جاء في قوله تعالى: (واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين). وقوله تعالى: (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون). وهذه مرتبة عظيمة ينالها المؤمن في التزامه بالتقوى.وقد جاء في بعض الآيات، أن الله أعد الجنة للمتقين الذين يستحقونها عن جدراة من خلال قربهم إلى الله، وهذا ما جاء في قوله تعالى: (وسارعوها إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين* الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين* والذين إدا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون* أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين).

ونلاحظ هنا الحديث عن المتقين بأنهم ينفقون في السراء والضراء على ذوي الحاجات من الفقراء والمستضعفين، وأنهم يعيشون الهدوء النفسي الشعوري، فلا يفجرون غيظهم فيمن يغيظهم، بل يحسبون غيظهم في صدورهم، ثم يزيلونه منها ليعفوا عن الذين أسؤوا إليهم ويحسنون إليهم.ثم تتحدث هذه الآيات عن أن الخطيئة الصادرة منهم، والتي يظلمون بها أنفسهم، لا تتحول إلى حالة مستقرة في حركة الذات، بل يتجاوزونها، فيتوبون منها ويستغفرون الله مما أسلفوه من الخطيئة، ولا يصرون عليها فيما يستقبلون من حياتهم، لأن وعيهم لإيحاءات التقوى الكامنة في شخصيتهم، يوحي إليهم بالرجوع إلى الله في يقظة روحية رائعة، كما جاء في قوله تعالى: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون)؛ لأن الله في معنى الإيمان به، يشرق في عقولهم، فلا يترك فيها أية ظلمة، بل تنفتح أبصارهم الداخلية على الضوء المنطق من إشراقة الله، فيزيل كل غشاوة عن الذات.نقرأ في آية أخرى، بأن إصلاح ذات البين هو من مظاهر التقوى في الحياة الاجتماعية للمؤمنين، وذلك في قوله تعالى: (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله)، ما يوحي بأن إصلاح ذات البين يمثل في حركة المؤمنين مظهرا للتقوى الاجتماعية، وهكذا تتمثل التقوى في القول السديد الذي ينفتح على الحق والإصلاح والعدل والخير وما ينفع الناس، مما يريد الله للناس أن يأخذوا به، لأن للكلام دورا كبيرا في توازن البلاد والعباد في حركة واقع الإنسان في الحياة، وذلك هو قوله تعالى: (يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وقولو قولا سديدا).ويبقى التفاضل بالتقوى هو الذي يمنح الإنسان الكرامة عند الله سبحانه، كما جاء في قوله تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)، فالأتقى في إيمانه وسلوكه هو الأكرم عند الله، لأنه الذي بلغ الغاية في الوصول إلى أفضل الوسائل في الحصول على رضوان الله، بحيث لا يترك شيئا يحبه الله إلا فعله، ولا يفعل شيئا مما يكرهه الله مما حرمة عليه. وتنطلق الآيات لتثير في نفس المؤمن التقي التحرك نحو محاسبة نفسه على أساس دراسة المصير النهائي الذي يقل عليه في الآخرة.وفي ضوء ذلك، نجد أن الصبر هو القيمة الأخلاقية الإنسانية التي تساعد كل القيم، لأن الكثير منها يحتاج إلى المزيد من الجهد، فيأتي الصبر ليدعم حركة الإنسان في تحقيقها، وبذلك يتوقف الالتزام بالطاعة والبعد عن المعصية والجهاد في سبيل الله والتماسك عند البلاء، على الصبر، وهذا ما جاء في حديث الإمام محمد الباقر (رضى الله عنه )، قال لبعض أصحابه: ((كل أعمال البر بالصبر يرحمك الله))، ولعل هذا هو الذي جعل ثواب الصبر فوق كل عمل خير، فلم يجعل الله له حدا محدودا، كما في قوله تعالى: (إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب). وجاء في القرآن الكريم الحديث عن قيمة الصبر على البلاء بقوله تعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين* الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا للهو وإنا إليه راجعون* أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون).فنحن نلاحظ أن الله يمنح الصابر صلواته ورحمته، ويعتبر الصابرين من المهتدين الذين أخذوا بحقائق الهدى في الفكر والروح والحركة في الانفتاح على الله وتلك مرتبة عالية لقيمة الصبر لدى الصابرين.وربما كان من الضروري أن ندخل مسألة التربية على الصبر في التخطيط التربوي للواقع الإسلامي؛ لأن التحديات الصعبة الداخلية والخارجية تواجه المسلمين، ولا سيما في خطة الاستكبار العالمي في السيطرة على مقدرات العالم الإسلامي ومصادرة ثرواته ومواقعه الاستراتيجية وأسواقه الاستهلاكية، ليتحول المسلمون إلى هامش تفصيلي من هوامشه الضيقة، ما يفرض على المتحركين في خط الأزمة المتنوعة والتحديات الكبيرة، المزيد من الصبر الذي يمنح الموقف الثبات في المواجهة والانتصار في الأهداف.


المتوكلون:


ومن الذين يحبهم الله- حسب ما جاء في القرآن الكريم- المتوكلون: (فيما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين).إننا نلاحظ في هذه الآية، أن الله يوجه النبي محمدا (صلى الله عليه وسلم )، ويوجه الأمة من خلال خطابه له، إلى أن يبدأ في التحرك نحو القضية التي يعالجها في الواقع من موقع القيادة، وفقا لمبدأ الشوري الذي يتمثل في استنطاق أصحابه من أهل الخبرة في الموضوع الذي يريد إعطاء الرأي فيه، ليتعرف وجوه الرأي المتنوع الذي قد تتنوع فيه وجهات النظر في حركة السلب والإيجاب، ليكون الاختيار للموقف منطلقا من دراسة معمقة واسعة، ولاسيما فيما يتصل بقضايا الناس، حتى ينطلق في مسؤولياته في عملية تفاعل بين القيادة والقاعدة؛ فتكون النتيجة أن يتحقق العزم للقائد في إصدار الأمر في التخطيط العملي للمستقبل، متوكلا على الله فيما يمكن أن يواجهه القرار من عقبات وصعوبات غير محسوبة أو غير منتظرة، باعتبار أن على القيادة أن تستجمع كل العناصر، التي تجعل من القرار موقفا قويا صالحا لحل المشكلة وتحقيق الهدف مما يملك الإنسان أمرة، ليترك الأمر فيما لا يملكه إلى الله، ما توحي به كلمة التوكل على الله في الابتهال إليه، بأن يحمي الموقف من كل ما يعطل المسيرة، بما يحمله الغيب من أوضاع سلبية خاضعة لقدرة الله في صرف ذلك عن الموقف.ومن خلال هذا العرض، نستوحي أن التوكل إنما يكون بالعمل على تحضير كل الأسباب الواقعة تحت قدرة الإنسان، بما يساهم في تحقيق الهدف، ثم يرجع الأمر إلى الله فيما يختزنه الغيب من المعوقات التي قد تقف فقي طريق الهدف لتمنع من تحقيقه.وفي ضوء ذلك، يتحول التوكل على الله إلى موقف إيماني واسع عميق منفتح على قدرة الله على كل مواقع الكون، يبتهل فيه المؤمن إلى الله ليصرف عنه كل م يعطل مشروعه الخاص والعام، لأنه الكافي من كل شيء ولا يكفي منه شيء، ولذلك كان حب الله له من خلال أخذه بأسباب الإخلاص في إيمانه بالله والرجوع إليه في كل شيء.وقد ورد الحديث عن الإمام على (رضى الله عنه): ((التوكل التبري من الحول والقوة وانتظار ما يأتي به القدر)). وفي حديث عنه: ((حسبك من توكلك أن لا ترى لرزقك مجريا إلا الله سبحانه)). وعن الإمام جعفر الصادق (رضى الله عنه) لما سئل عن حد التوكل: ((أن لا تخاف مع الله شيئا))، وقد جاء في قوله تعالى: (وعلى الله فليتوكل المؤمنون).وهكذا ينفتح التوكل على الله الالتزام بأن الله هو سر كل شيء في حياة الإنسان، ما يعمق في كيانه الثقة بأنه سبحانه مصدر القوة في حالات الضعف؛ لأن القوة لله جميعا، فهو الذي يمنحها للإنسان في أموره كلها، بعد أن يستجمع في مشاريعه كل إمكانات القدرة في الأسباب التي يملكها.وبهذا يفترق التوكل عن التواكل والاتكالية التي يبتعد بها الإنسان عن تحريك قدرته مما يملكه من الوسائل في تحقيق ما يستهدفه من قضايا وأمور ومشاريع. وقد تحدث النصوص عن ذلك، فقد جاء في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) لرجل قال له: أعقلها وأتوكل، أو أطلقها وأتوكل؟ قال: (اعقلها وتوكل). وعن الإمام جعفر الصادق (رضى الله عنه): ((لا تدع طلب الرزق من حلة، فإنه عون لك دينك، واعقل راحلتك وتوكل)). وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) لقوم رآهم لا يزرعون، ((قال: ما أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون، قال: لا بل أنتم المتكلون)).وعن الإمام علي (رضى الله عنه) لقوم أصحاء جالسين في المسجد، قال: ((من أنتم؟، قالوا: نحن المتوكلون، قال (رضى الله عنه): بل أنتم المتأكلة، فإن كنتم متوكلين فما بلغ بكم توكلكم؟، قالوا: إذا وجدنا أكلنا، وإذا فقدنا صبرنا، قال (رضى الله عنه): هكذا يفعل الكلاب عندما، قالوا: فما نفعل؟ قال كما نفعل، قالوا: كيف نفعل؟ قال (رضى الله عنه): إذا وجدنا بذلنا، وإذا فقدنا شكرنا)). وجاء عن الإمام جعفر الصادق (رضى الله عنه) في قوله تعالى: (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) (الزارعون). هذا هو أبلغ تعبير واقعي عن التوكل، فإن الزارعين يقومون في زراعتهم بكل الأسباب التي تؤدي إلى أن يحصل الزرع، فإذا فرغوا من ذلك كله، ولم يبق هناك لديهم شيء يفعلونه، وخافوا من الطوارىء المستقبلة الخفية التي يختزنها غيب المستقبل، أوكلوا الأمر إلى الله، وتوكلوا عليه ليصرف ذلك عنهم، فهم يواجهون الأمور في تجربتهم بأسباب الواقع، ويعتمدون على الله فيما وراء ذلك بإرجاع الأمر إليه مما يملك أمره والقدرة عليه.وعن الإمام جعفر الصادق (رضى الله عنه): ((إن قوما من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) لما نزلت: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا* ويرزقه من حيث لا يحتسب)، أغلقوا الأبواب وأقبلوا على العبادة، وقالوا قد كفينا، فبلغ ذلك النبي (صلى الله عليه وسلم ) فأرسل إليهم، فقال: ما حملكم على ما صنعتم؟ قالوا: يا رسول الله، تكفل لنا بأرزاقنا، فأقبلنا على العبادة، فقال: إنه من فعل ذلك لم يستجب له، عليكم بالطلب)).وهكذا نجد أن محبة الله للمتوكلين عليه، ترتكز على رجوعهم إليه في كل أمورهم، ثقة به وبقدرته، وتسليما له في الرجوع إليه في مهماتهم، ما يوحي بالتحرك إلى مواقع القرب منه في قلوبهم وأقوالهم وأفعالهم، فلا يتحركون إلا إليه، ولا ينفتحون إلا عليه، وهذا هو ما يدعو إليه النبي (صلى الله عليه وسلم ) في رسالته.

قراءة في المشهد العام


تقرير أسبوعي يرصد باختصار أهم التغيرات الداخلية والإقليمية والعالمية

أولاً: الشأن الداخلي


سياسة النظام في التنمية والزيادة السكانية:


تقوم الرؤية الحكومية للتنمية على أن الزيادة السكانية تشكِّل عقبة أمام التقدم سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا؛ وذلك لاعتقادها أن ارتفاع معدلات النمو السكاني تشكل ضغطًا على الخدمات والمرافق والموارد التي تراها محدودة، وعلى هذا الأساس تركز السياسات الحكومية على أولوية خفض معدل نمو السكان عن الزيادة، ومنذ إنشاء وزارة السكان؛ اتضح أن سياسات خفض النمو السكاني تشكل حيزًا مهمًّا في سياسات الحكومة.

ولذلك يمكن القول إن الرؤية الحكومية القاصرة للتنمية تركز على ما تعتبره من عوامل التقدم، ولا تأخذ في الاعتبار العوامل الحقيقية الكثيرة التي تعد على قدر كبير من الأهمية ومنها:



1- إهدار القدرات والإمكانات البشرية كطاقات متجددة، يصعب تعويضها من مصادر إنتاجية أخرى، وتعد الموارد البشرية من أهم عناصر التنمية التقدم إذا ما وضعت على خط تطوير الرأسمال الاجتماعي والفكري، والذي يعتبر عنوان الثروة والقوة لدى الدول المتقدمة.

2- الاستمرار في السياسات الخاطئة التي لا تحقق زيادة معدلات الإنتاج التي يترتب عليها زيادة متوسطات الدخل الفردي؛ ولذلك لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من إخراج الاقتصاد من حالة التدني المزمنة.

3- عدم توافر وتحقق العدالة التي تضمن احترام الإنسان كقيمة في حد ذاته، وتضمن أيضًا وجود منهج واضح وتخطيط علمي سليم؛ للوصول للتشغيل الأمثل، وخفض الظلم الاجتماعي والسياسي، والخلاصة أن بلادنا لا تواجه مشكلة سكان بقدر ما تعاني من تشوه في التخطيط وانحرافات في اتجاهات النمو بشكل لا يحقِّق المصلحة الكلية للمجتمع؛ ولذلك فإنه من الأهمية إعادة الاعتبار للإنسان، والتوقف عن الحديث عنه كمشكلة أو حتى عقبة.

ثانيًا: الشأن الإقليمي
التعاون العسكري بين الكيان الصهيوني والناتو:
اتفق حلف شمال الأطلسي والكيان الصهيوني على ضم سفينة حربية صهيونية؛ لتدخل ضمن سهام وحدة "الجهد النشط"، وهو ما يعتبر نوعًا من ترفيه التعاون بين الطرفين؛ حيث الانتقال من تبادل المعلومات، والتنسيق إلى المشاركة الفعالة والمؤثرة في الأعمال العسكرية والأمنية في البحر المتوسط.

وتأتي هذه الخطوة في سياق تطورات مهمة، يشهدها إقليم البحر المتوسط؛ حيث الأزمة الراهنة في قطاع غزة وتزايد قوة "حزب الله" في لبنان، فضلاً عن تعثر عملية السلام وتنامي الحديث عن نشاط "القاعدة في بلاد المغرب العربي".

وتذهب التحليلات العسكرية والسياسية إلى تفسير هذه الخطوة من ناحيتين:
الأولى: أنها تعمل على احتواء البحرية الصهيونية، وربطها بتحركات الناتو في البحر المتوسط، وذلك بعد اعتراضها لسفن تجارية في شرق المتوسط (السفينة الإيرانية على سبيل المثال).

أما الثانية: فهي أن تنظيم القاعدة في بلدان المغرب العربي يتطلب من وجهة نظر الناتو؛ تواصل الجهود لمكافحة الإرهاب، ومراقبة انتقال الأسلحة التي قد تصل إليه عبر البحر المتوسط.

وقد اعتبرت بعض الدول العربية أن هذه الخطوة تشكل تهديدًا مباشرًا لها؛ لأنها تعطي ضمانًا لحرية تحرك البحرية الصهيونية في المتوسط، وذلك على اعتبار أنها تأتي كتطوير للتحالف العسكري بين الصهاينة والناتو، وهذا ما يضعف فرص السفن العربية في المرور الآمن عبر المتوسط، ويزيد من الرقابة على تحركاتها؛ سواء لأغراض التجارة أو لأغراض أخرى، وبهذا المعنى سوف يستفيد الكيان الصهيوني من هذه العلاقة من ناحية زيادة المعلومات وخبرات التحرك والتدريب التي توفرها له مظلة حلف شمال الأطلسي الواسعة الانتشار.

وعلى أية حال، سوف تكون انعكاسات هذه الخطوة كبيرة على منطقة جنوب وشرق المتوسط؛ حيث إنها تعني بالأساس تزايد ترابط وتضامن النظم العسكرية والأمنية لكلٍّ من حلف شمال الأطلسي والكيان الصهيوني، وإذا ما أخذنا في الاعتبار تطور التعاون الأمني بين هذه الأطراف، وخاصة في محطته الأخيرة (اتفاق رايس- ليفني) يمكن القول إن هذا التعاون سوف ينعكس سلبًا، ليس فقط على حرية الحركة في مياه المتوسط، ولكن أيضًا سوف يكون مصدر تهديد لأمن الدول العربية والإسلامية المطلة على البحر المتوسط، وهذا الوضع سوف يفرض تحديات جديدة على هذه الدول.

ثالثًا: الشأن الدولي
قمتا روما وسنغافورة:
بعد انعقاد قمة منظمة الأغذية والزراعة في روما، وبعد انعقاد قمة "آبيك" في سنغافورة؛ تثور تساؤلات عن اتجاهات السياسة العالمية في المرحلة القادمة، خاصة أن هاتين القمتين كشفتا عن اختلاف أولويات الدول الكبرى والصغرى في الشئون الاقتصادية.

فقد تناولت قمة روما اهتمامات الدول الفقيرة في تحقيق الأمن الغذائي، ومكافحة الجفاف والتصحر، وفي هذا السياق أثيرت مشكلة نقص الغذاء لدى العديد من الدول الفقيرة، وفي ظل وجود مؤشرات على استمرار موجة ارتفاع الأسعار؛ فإن هذه المشكلة سوف تتفاقم وخاصة مع ضعف البنية الاقتصادية في تلك الدول، وضعف سياستها المالية، وانتشار الفساد فيها، واضطراب وعدم استقرار نظمها السياسية؛ الأمر الذي يشكل تحديًا أساسيًّا أمام الأمم المتحدة؛ لأن وقوع مثل هذه الأزمة يتطلب تدخلاً دوليًّا جماعيًّا لمنع حدوث كوارث إنسانية أو للتخفيف منها.

أما فيما يتعلق بقمة سنغافورة؛ فإنها وضعت على أجندتها موضوعات أخرى؛ كمواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية، وتحرير التجارة الدولية وأزمة المناخ، وهذه الأجندة تعكس الاهتمامات والترتيبات لدى الدول الكبرى؛ حيث إن هذه القضايا تتعلق بنطاق ومدى التطور الصناعي، وحجم الإنتاج، ومدى الحماية التجارية للسلع والأسواق في تلك الدول.


وقد كشفت زيارة "أوباما" لدول شرق آسيا عن الارتباط الوثيق للزيارة بالاهتمامات الاقتصادية الأمريكية؛ حيث تسعى الولايات المتحدة لزيادة حجم الصادرات، باعتباره محركًا للنمو الاقتصادي، ويساهم في خفض البطالة، ورفع معدلات التوظيف؛ ولهذا ركَّزت التوجهات السياسية للإدارة الأمريكية الجديدة على تقوية ودعم العلاقات الثنائية مع الدول الآسيوية في النواحي التجارية والسياسية.

وبينما كانت قمة "روما" تركِّز على تحلل الدول الغنية من التزاماتها؛ فإن السياسات الأمريكية- الآسيوية كانت تتطلع إلى قمة المناخ المقبلة في "كوبنهاجن"، وهذا ما يعني تهرب الدول الكبرى من مسئوليتها مرتين:

الأولى: تراجعها عن التزاماتها تجاه الدول الفقيرة بتخصيص جزء من دخلها القومي كمساعدات تنموية.

والثانية: أنها تسعى بإصرار على الحفاظ على حجم الإنتاج الصناعي، بل وزيادته وإهمال الاعتبارات الأخرى التي تؤثر على العالم، وتتسبب في التصحر والجفاف.

ولذلك لم يكن تراجع اهتمام الدول الكبرى بقمة الغذاء أو قمة مكافحة الجوع غريبًا على السياق الدولي الحالي، إذ أنه في ظل الأزمة الاقتصادية وتداعيتها وتحديات أزمة المناخ؛ تحاول الدول الكبرى بقيادة أمريكا الحفاظ على هيمنتها، وسيطرتها الاقتصادية والسياسية على العالم.

رسالة إلى ضيوف الرحمن



رسالة من: محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أحمعين
أحبتنا حجاجَ بيت الله، الذين أنابوا إلى ربِّهم، وفارقوا ديارهم، وتخلَّصوا من معوقات الدنيا، بعد أن تلقَّوا الدعوةَ من الله؛ فتحركوا شوقًا ومحبةً واستجابةً لأمر ربهم، وانبعثوا مُلَبِّين دعوةَ خالقهم وسيدهم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... وبعد؛
ففي أعظم وأكرم مؤتمر جامع عرفته الدنيا؛ وقف نبيُّنا الحبيبُ صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أمام أكثر من مائة ألف مسلم وحَّدهم الإسلامُ بعد أن كانت قد فرقتهم النعرات العصبية؛ ليُحَذِّر الأمةَ من المحاولات الشيطانية الماكرة للعودة بهم إلى مربع العصبية وحمية الجاهلية، فقال "أَلاَ لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلاَ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ وَلَكِنَّهُ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَكُمْ" (مسند أحمد)، أي أنه جعل كيده لهذه الأمة الواحدة في التحريش بينهم بالخصومات والشحناء والحروب والفتن وغيرها.

وطلب صلى الله عليه وسلم صفوةَ الأمة الذين حضروا هذا المؤتمر الكريم أن يبلغوا الأمةَ كلَّها هذا البلاغ فقال: "لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ؛ ‏رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ" (صحيح البخاري).

ولا تزل الأمةُ تسعد بهذا التوجيه النبوي العظيم، فتجتمع في مؤتمركم العظيم سنة بعد سنة، معلنةً تجريد العبودية وإخلاصَها لله، وتخلِّيها عن كل أسباب التفرق، لا ترفع في موسم الطهر إلا رايةَ الوحدة الإسلامية، ولا تهتف إلا بنداء الأخوة الجامعة، في حالةٍ من أرقى حالات التواصل الروحي؛ حيث تَعْذُبُ المناجاة، وتحلو الطاعة، ويسري نورُ الإيمان بين الجوانح، ويشعر المسلم أنه فوق عالَم البشر، يُحلّق مع الملائكة الكرام؛ فالذنبُ مغفورٌ، والسعيُ مشكورٌ، وكلُّ خطوة يخطوها الحاجُّ تكتب له ملائكةُ الرحمة بها حسنةً، وتضع عنه بها سيئة، في إدراك واعٍ رائع لكون الحجّ تهذيبًا للنفوس، وتطهيرًا للقلوب، وغسلاً لأدران الشر، فضلاً عن أنه تلاقٍ اجتماعيٌّ، وتعارفٌ إسلاميٌّ، واجتماع للنفوس المؤمنة على مودةٍ ورحمةٍ ورُوحانيةٍ في ظل البيت المقدس، وفي الأماكن المطهرة، في ضيافة رحمانية كريمة، الحجيجُ فيها لا ينشغلون بغير ما جاءوا له من عبادة كريمة، فهديرُهم تكبيرٌ، وهتافُهم تسبيحٌ، ونداؤُهم تلبيةٌ، ودعاؤُهم تهليلٌ، ومشيُهم عبادةٌ، وزحفُهم صلاةٌ، وسفرُهم هجرةٌ إلى ربهم، وغايتُهم مغفرةٌ من الله ورضوانٌ، تراهم في حشدهم صورةً متكاملةً متناسقةً في إطار نوراني على اختلاف الأجناس، وتباين اللغات وتغاير الأوطان.

تلكم هي صورة الأمة المسلمة الواحدة التي يمثلها الحجيج في هذا المؤتمر الكريم أصدق تمثيل.

فهنيئًا لكم أيها السعداء بضيافة الرحمن، وبشراكم أيها المستجيبون لنداء الخليل، أبي الأنبياء إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى السلام، وإذْ أدعوكم إلى نبذ كل أسباب الفرقة، وتجنب كل أسباب الخلاف، ورفض كل محاولات التحريش أو التحريض، وطرح كل رايةٍ وشعارٍ غيرِ راية التوحيد وشعار التلبية، والانهماك الصادق في الذكر والطاعة، وشغل كل الوقت بالتلبية والدعاء؛ فإنني أذكركم بأن تجعلوا وردًا من دعائكم لأمتكم، أن يحقن الله دماءَها، ويدفع عنها الفتنَ، ويهديَها سبيل الرشاد، ويحفظَها من كيد الأعداء وجهالة الحمقى والسفهاء، ويحررَ مقدساتها من أيدي الغاصبين، ويحررَ ديارها من عدوان المحتلين، ويكتبَ لها الرفعة في العالمين، وأن يصلحَ بين الرعاة والرعية، وأن يؤلفَ بينهم في الخيرات، وأن يدفع شرَّ بعضهم عن بعض، وأن يجعلهم يدًا واحدةً على أعداء أمتهم.

تقبل الله حجكم، وغفر لكم ولمن استغفرتم له، وحفظكم من كل بلاء، وأعادكم لأوطانكم مقبولين مغفورين سعداء.
والله أكبر ولله الحمد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.