الخميس، 26 نوفمبر 2009

قراءة في المشهد العام


تقرير أسبوعي يرصد باختصار أهم التغيرات الداخلية والإقليمية والعالمية

أولاً: الشأن الداخلي


سياسة النظام في التنمية والزيادة السكانية:


تقوم الرؤية الحكومية للتنمية على أن الزيادة السكانية تشكِّل عقبة أمام التقدم سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا؛ وذلك لاعتقادها أن ارتفاع معدلات النمو السكاني تشكل ضغطًا على الخدمات والمرافق والموارد التي تراها محدودة، وعلى هذا الأساس تركز السياسات الحكومية على أولوية خفض معدل نمو السكان عن الزيادة، ومنذ إنشاء وزارة السكان؛ اتضح أن سياسات خفض النمو السكاني تشكل حيزًا مهمًّا في سياسات الحكومة.

ولذلك يمكن القول إن الرؤية الحكومية القاصرة للتنمية تركز على ما تعتبره من عوامل التقدم، ولا تأخذ في الاعتبار العوامل الحقيقية الكثيرة التي تعد على قدر كبير من الأهمية ومنها:



1- إهدار القدرات والإمكانات البشرية كطاقات متجددة، يصعب تعويضها من مصادر إنتاجية أخرى، وتعد الموارد البشرية من أهم عناصر التنمية التقدم إذا ما وضعت على خط تطوير الرأسمال الاجتماعي والفكري، والذي يعتبر عنوان الثروة والقوة لدى الدول المتقدمة.

2- الاستمرار في السياسات الخاطئة التي لا تحقق زيادة معدلات الإنتاج التي يترتب عليها زيادة متوسطات الدخل الفردي؛ ولذلك لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من إخراج الاقتصاد من حالة التدني المزمنة.

3- عدم توافر وتحقق العدالة التي تضمن احترام الإنسان كقيمة في حد ذاته، وتضمن أيضًا وجود منهج واضح وتخطيط علمي سليم؛ للوصول للتشغيل الأمثل، وخفض الظلم الاجتماعي والسياسي، والخلاصة أن بلادنا لا تواجه مشكلة سكان بقدر ما تعاني من تشوه في التخطيط وانحرافات في اتجاهات النمو بشكل لا يحقِّق المصلحة الكلية للمجتمع؛ ولذلك فإنه من الأهمية إعادة الاعتبار للإنسان، والتوقف عن الحديث عنه كمشكلة أو حتى عقبة.

ثانيًا: الشأن الإقليمي
التعاون العسكري بين الكيان الصهيوني والناتو:
اتفق حلف شمال الأطلسي والكيان الصهيوني على ضم سفينة حربية صهيونية؛ لتدخل ضمن سهام وحدة "الجهد النشط"، وهو ما يعتبر نوعًا من ترفيه التعاون بين الطرفين؛ حيث الانتقال من تبادل المعلومات، والتنسيق إلى المشاركة الفعالة والمؤثرة في الأعمال العسكرية والأمنية في البحر المتوسط.

وتأتي هذه الخطوة في سياق تطورات مهمة، يشهدها إقليم البحر المتوسط؛ حيث الأزمة الراهنة في قطاع غزة وتزايد قوة "حزب الله" في لبنان، فضلاً عن تعثر عملية السلام وتنامي الحديث عن نشاط "القاعدة في بلاد المغرب العربي".

وتذهب التحليلات العسكرية والسياسية إلى تفسير هذه الخطوة من ناحيتين:
الأولى: أنها تعمل على احتواء البحرية الصهيونية، وربطها بتحركات الناتو في البحر المتوسط، وذلك بعد اعتراضها لسفن تجارية في شرق المتوسط (السفينة الإيرانية على سبيل المثال).

أما الثانية: فهي أن تنظيم القاعدة في بلدان المغرب العربي يتطلب من وجهة نظر الناتو؛ تواصل الجهود لمكافحة الإرهاب، ومراقبة انتقال الأسلحة التي قد تصل إليه عبر البحر المتوسط.

وقد اعتبرت بعض الدول العربية أن هذه الخطوة تشكل تهديدًا مباشرًا لها؛ لأنها تعطي ضمانًا لحرية تحرك البحرية الصهيونية في المتوسط، وذلك على اعتبار أنها تأتي كتطوير للتحالف العسكري بين الصهاينة والناتو، وهذا ما يضعف فرص السفن العربية في المرور الآمن عبر المتوسط، ويزيد من الرقابة على تحركاتها؛ سواء لأغراض التجارة أو لأغراض أخرى، وبهذا المعنى سوف يستفيد الكيان الصهيوني من هذه العلاقة من ناحية زيادة المعلومات وخبرات التحرك والتدريب التي توفرها له مظلة حلف شمال الأطلسي الواسعة الانتشار.

وعلى أية حال، سوف تكون انعكاسات هذه الخطوة كبيرة على منطقة جنوب وشرق المتوسط؛ حيث إنها تعني بالأساس تزايد ترابط وتضامن النظم العسكرية والأمنية لكلٍّ من حلف شمال الأطلسي والكيان الصهيوني، وإذا ما أخذنا في الاعتبار تطور التعاون الأمني بين هذه الأطراف، وخاصة في محطته الأخيرة (اتفاق رايس- ليفني) يمكن القول إن هذا التعاون سوف ينعكس سلبًا، ليس فقط على حرية الحركة في مياه المتوسط، ولكن أيضًا سوف يكون مصدر تهديد لأمن الدول العربية والإسلامية المطلة على البحر المتوسط، وهذا الوضع سوف يفرض تحديات جديدة على هذه الدول.

ثالثًا: الشأن الدولي
قمتا روما وسنغافورة:
بعد انعقاد قمة منظمة الأغذية والزراعة في روما، وبعد انعقاد قمة "آبيك" في سنغافورة؛ تثور تساؤلات عن اتجاهات السياسة العالمية في المرحلة القادمة، خاصة أن هاتين القمتين كشفتا عن اختلاف أولويات الدول الكبرى والصغرى في الشئون الاقتصادية.

فقد تناولت قمة روما اهتمامات الدول الفقيرة في تحقيق الأمن الغذائي، ومكافحة الجفاف والتصحر، وفي هذا السياق أثيرت مشكلة نقص الغذاء لدى العديد من الدول الفقيرة، وفي ظل وجود مؤشرات على استمرار موجة ارتفاع الأسعار؛ فإن هذه المشكلة سوف تتفاقم وخاصة مع ضعف البنية الاقتصادية في تلك الدول، وضعف سياستها المالية، وانتشار الفساد فيها، واضطراب وعدم استقرار نظمها السياسية؛ الأمر الذي يشكل تحديًا أساسيًّا أمام الأمم المتحدة؛ لأن وقوع مثل هذه الأزمة يتطلب تدخلاً دوليًّا جماعيًّا لمنع حدوث كوارث إنسانية أو للتخفيف منها.

أما فيما يتعلق بقمة سنغافورة؛ فإنها وضعت على أجندتها موضوعات أخرى؛ كمواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية، وتحرير التجارة الدولية وأزمة المناخ، وهذه الأجندة تعكس الاهتمامات والترتيبات لدى الدول الكبرى؛ حيث إن هذه القضايا تتعلق بنطاق ومدى التطور الصناعي، وحجم الإنتاج، ومدى الحماية التجارية للسلع والأسواق في تلك الدول.


وقد كشفت زيارة "أوباما" لدول شرق آسيا عن الارتباط الوثيق للزيارة بالاهتمامات الاقتصادية الأمريكية؛ حيث تسعى الولايات المتحدة لزيادة حجم الصادرات، باعتباره محركًا للنمو الاقتصادي، ويساهم في خفض البطالة، ورفع معدلات التوظيف؛ ولهذا ركَّزت التوجهات السياسية للإدارة الأمريكية الجديدة على تقوية ودعم العلاقات الثنائية مع الدول الآسيوية في النواحي التجارية والسياسية.

وبينما كانت قمة "روما" تركِّز على تحلل الدول الغنية من التزاماتها؛ فإن السياسات الأمريكية- الآسيوية كانت تتطلع إلى قمة المناخ المقبلة في "كوبنهاجن"، وهذا ما يعني تهرب الدول الكبرى من مسئوليتها مرتين:

الأولى: تراجعها عن التزاماتها تجاه الدول الفقيرة بتخصيص جزء من دخلها القومي كمساعدات تنموية.

والثانية: أنها تسعى بإصرار على الحفاظ على حجم الإنتاج الصناعي، بل وزيادته وإهمال الاعتبارات الأخرى التي تؤثر على العالم، وتتسبب في التصحر والجفاف.

ولذلك لم يكن تراجع اهتمام الدول الكبرى بقمة الغذاء أو قمة مكافحة الجوع غريبًا على السياق الدولي الحالي، إذ أنه في ظل الأزمة الاقتصادية وتداعيتها وتحديات أزمة المناخ؛ تحاول الدول الكبرى بقيادة أمريكا الحفاظ على هيمنتها، وسيطرتها الاقتصادية والسياسية على العالم.

ليست هناك تعليقات: