الخميس، 26 نوفمبر 2009

ماذا أضفنا للحياة؟


د. علي الحمادي


في الثلاثينيات من القرن الماضي كان هناك طالب جديد التحق بكلية الزراعة في إحدى جامعات مصر، وعندما حان وقت الصلاة بحث عن مكان ليصلي فيه فأخبروه أنه لا يوجد مكان للصلاة في الكلية، ولكن هناك غرفة صغيرة ( قبو) تحت الأرض يمكن أن يصلي فيه. ذهب الطالب إلى الغرفة تحت الأرض وهو مستغرب من الطلاب في الكلية لعدم اهتمامهم بموضوع الصلاة ، هل يصلون أم لا ؟!؟

المهم دخل الغرفة فوجد فيها حصيرًا قديمة وكانت غرفة غير مرتبة ولا نظيفة، ووجد عاملاً يصلي ، فسأله الطالب : هل تصلي هنا ؟!؟ فأجاب العامل : نعم ، لأنه لا يوجد أحد آخريصلي معي، ولا توجد غير هذه الغرفة. فقال الطالب بكل اعتراض : أما أنا فلا أصلي تحت الأرض. و خرج من القبو إلى الأعلى ، وبحث عن أكثر مكان معروف وواضح في الكلية و عمل شيئًا غريبًا جدًا ‎ !!! وقف وأذن للصلاة بأعلى صوته !! تفاجأ الجميع و أخذ الطلاب يضحكون عليه ويشيرون إليه بأيديهم ويتهمونه بالجنون. لم يبال بهم ، جلس قليلا ثم نهض وأقام الصلاة و بدأ يصلي و كأنه لا يوجد أحد حوله. ومرت الأيام .. يوم .. يومين .. لم يتغير الحال ... الناس كانت تضحك ثم اعتادت على الموضوع كل يوم فلم يعودوا يضحكون .. ثم حصل تغيير ..

صعد العامل الذي كان يصلي في القبو وصلى معه.. ثم أصبحوا أربعة و بعد أسبوع صلى معهم أستاذ ؟؟ ‎ ! انتشر الموضوع وكثر الكلام عنه في كل أرجاء الكلية ، استدعى العميد هذا الطالب وقال له : لا يجوز هذا الذي يحصل ، أنتم تصلون في وسط الكلية !!!، نحن سنبني لكم مسجدًا عبارة عن غرفة نظيفة مرتبة يصلي فيها من يشاء وقت الصلاة. وهكذا بُني أول مسجد في كلية جامعية. ولم يتوقف الأمر عند ذلك ، إذ أن طلاب باقي الكليات أحسوا بالغيرة فبنوا مسجدًا في كل كلية في الجامعة.

هذا الطالب تصرف بايجابية في موقف واحد في حياته فكانت النتيجة أعظم من المتوقع .. ولا يزال هذا الشخص سواء كان حيًا أو ميتًا يأخذ حسنات وثواب عن كل مسجد يبنى في الجامعات ويذكر فيه اسم الله ... هذا ما أضافه للحياة.. فبالله عليكم ماذا أضفنا نحن للحياة؟!

لقد تحدث القرآن الكريم عن فضيلة الإيجابية في مواضع كثيرة بألفاظ مثل المسارعة والمسابقة والمنافسة، مثل:

قوله تعالى: "إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ " [الأنبياء:90].

وقوله تعالى: "وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ " آل عمران:114].

وقوله تعالى: "وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدِّتْ لِلْمُتَّقِينَ" [آل عمران : 133 ].

وقوله تعالى: " سَابِقُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ" [ الحديد 22].

وقوله تعالى: " وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ " [ المطففين :26].

وتحدث القرآن عن تلك الجماعة التي أنكرت على أصحاب السبت فسادهم – في سورة الأعراف – وكان شعار هذه الجماعة المؤمنة هو الإعذار إلى الله ، حيث لما قال السلبيون: " لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا" .. قال الإيجابيون: " مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ " [الأعراف : 164].

وقد بينت السنة النبوية أهمية هذه القيمة الإسلامية العظيمة، فيقول (صلى الله عليه وسلم): "إن قامت الساعة و في يد أحدكم فسيلة ، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها " [صحيح، أحمد، عن أنس ].. فبين أن يكون المسلم إيجابيًا حتى قيام الساعة .. وحتى آخر رمق في حياته.

وقال (صلى الله عليه وسلم): "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ ..." الحديث [ مسلم، عن أبي سعيد ] .. فبين أن يكون المسلم إيجابيًا على الفور، حيث الفاء هنا في " فليغيره" للسرعة، حيث الإسراع في تغيير المنكر واجب كما أن تغيير المنكر نفسه واجب آخر .

وروى البخاري عن النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ أسْفَلَهَا، وَكَانَ الَّذِينَ فِي أسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا! فَإنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أرَادُوا هَلَكُوا، وَهَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجُوا جَمِيعًا ".

إن هذا كله رسالة واضحة إلى أصحاب النفسيات المريضة الذين اتخذوا من كلمة "وأنا مالي"، أو "مش أنا اللي هيغير الكون"، أو "خلِّيك في حالك"، أو "يا عم انت مالَك، أنا في حالي وانت في حالك" شعارًا لهم، حيث ناموا عن الحق، وتركوا الباطل يكبر حتى أوشك على إهلاك الجميع؛ فهؤلاء لا يصلحون للعيش في الحياة؛ لأن الحياة تحتاج إلى الإقدام والمبادأة والمبادرة، وأن يكون هناك سبق التقدم.

يقول الشاعر:

تأخرتُ أستبقي الحياةَ فلم أجدْ لنفسي حياةً مثلَ أنْ أتقدما

ليست هناك تعليقات: