السبت، 12 ديسمبر 2009

مكرم محمد أحمد اتهزم يا رجّالة


بقلم : د.جابر قميحة


(أنبِّه القارئ إلى أنني كتبت هذا المقال مساء الثلاثاء 8/12/2009م، بعد أن ظهرت النتيجة الأولى لانتخاب نقيب الصحفيين، وقبل أن تُجرى عملية الإعادة يوم الأحد القادم 13/12/2009م).

بعد هذه الملاحظة أبادر ابتداءً بالاعتذار للممثل سعيد صالح الذي كان يقوم بدور الطالب الفاشل "مرسي الزناتي" في مسرحية "مدرسة المشاغبين"، واضطرت مدرسته الجادّة إلى تأديبه، بعد أن أساء الأدب إليها، وإلى النظام، وأدت "عملية التأديب" إلى كسر ذراعه؛ وهو خبر حملته وكالات الأنباء، وأعلنته إذاعات العالم (كما يُخرف ويدعي)، وكان رأس الإعلان الصاخب- على حد قوله- "مرسي بن المعلم الزناتي اتهزم.. يا رجّالة".

أقول أعتذر لهذا الممثل؛ لأن "واجب الأمانة واللياقة" كان يلزمني أن أستأذنه؛ فهو- من وجهة نظري حتى لو كانت سطحية- صاحب "مِلكية أدبية" لهذه العبارة المشهورة.
********
وأنا أستصحبها لأعلن "بالفم المليان": "مكرم محمد أحمد اتهزم يا رجالة"، ولو كنت مكانه لانسحبت فور ظهور النتيجة الأولى، وأيًّا كانت نتيجة الإعادة فإنني أؤكد أنها ستكون هزيمة نكراء للسيد مكرم محمد أحمد؛ حتى لو نجح "بمعيار الأرقام".

ووراء حكمي هذا الحقائق والأسانيد الآتية:
1- ضآلة فارق الأصوات بينه وبين الأستاذ ضياء رشوان الذي يخوض الانتخاب لأول مرة في حياته، أما مكرم فيخوضه لرابع مرة، والأستاذ ضياء يعتمد على نفسه وعلى محبيه ومقدريه، أما مكرم فالحقيقة أنه رجل النظام الحاكم الذي يسانده بكل ثقله، وبوسائل الإعلام الحكومية من مقروءة، ومسموعة، ومرئية، مع حرمان ضياء رشوان من كل أولئك.

2- رفض مكرم أن يحضر- تلفازيًّا- مناظرة بينه وبين غريمه الذي دعا إليها، مع أن عقد المناظرات بين اثنين متنافسين على موقع رياسي؛ عرْف مشهور في العالم كله.

ولكننا للأسف وجدنا كرم جبر "ملك تكية (روز اليوسف)" في برنامج 90 دقيقة مساء الإثنين 7/12/2009م يبرر هذا الرفض بأنه قد يقود إلى مهاترات وخروج عن الأصول المرعية، وكذب كرم؛ لأن العرف السائد في العالم كله كما ذكرت أنا. وكرم هذا معروف بالاندفاع، والتبرير والمغالطة فيما يذهب إليه، ولا أنسى أنه في برنامج تلفازي- في مقام الدفاع عن طلعت مصطفى المتهم بقتل سوزان تميم- قال كرم: "ولماذا يحرص على مثل هذه المرأة؛ مع أنه بماله يستطيع أن يشتري "لوري" من أجمل نساء العالم؟"، وكانت لطمة له عندما رد عليه المحامي فريد الديب قائلاً: "أخطأت؛ كان عليك أن تقول: لوري من "عاهرات" نساء العالم".

وأنا أعتقد أن مكرم رفض المناظرة؛ لأنه عاجز عن تقديم فكر منتظم، وكلام مترابط محكوم بمنطق عقلي، والمواقف القيادية تحتاج إلى الاتزان، وإعمال الفكر قبل الإقدام على قول أو فعل.

3- وقد شاهدت مكرم محمد أحمد تلفازيًّا في برامج متعددة، فكان دائمًا يصب جام غضبه وحقده الأسود على "الجماعة المحظورة"، ويقصد جماعة الإخوان.. ومن كلماته المشهورة ما يعد إهانة للقرآن إذ قال: "إن الإخوان إذا دخلوا قرية أفسدوها"، ومفهوم المخالفة- كما يقول الفقهاء- يتلخص من وجهة نظره في أن أعضاء الحزب الوطني إذا دخلوا قرية أصلحوها وعمروها ورفعوها، وقضوا على الفاقة فيها؛ والواقع المعيش يقول العكس يا مكرم؛ فهؤلاء يحكمهم الحرص على الثراء بأي طريقة، فهم يكثرون عند الطمع، ويقلون- بل يختفون- عند الفزع، وأذكره باثنين من قيادات هذا الحزب هما: أحمد عز ومحمد أبو العينين، سافر كل منهما إلى السودان يوم مباراة مصر والجزائر بطائرته الخاصة، وكانوا أسرع الناس في العودة.. كل بطائرته، تاركين اللاعبين المصريين، والمشجعين، وللأسف لم تشر صحيفة حكومية لهذا التصرف.

4- أن هذه الطبيعة ليست جديدة على السيد مكرم محمد أحمد، بل هي متجذرة في أعماقه من سنوات بعيدة، يقطع بذلك تصريحاته ومقالاته على مدى سنوات سابقة، ونكتفي بقطوف أساسية من واحد من هذه المقالات.
********
فعندما كان رئيسًا لمجلس إدارة دار الهلال، ورئيس تحرير مجلة (المصور) كتب مقالاً صدر به "مصوره" الصادر في 17/11/2000م يتدفق بالأغاليط والاختلالات والتناقضات، ويعطي انطباعًا واضحًا بأنه يعيش أوهامًا لا أساس لها، بل لا وجود لها في الواقع، وإلا فكيف يحكم بأن "ثمة إجماعًا وطنيًا كبيرًا على أن الانتخابات الأخيرة (انتخابات مجلس الشعب سنة 2000م) كانت طفرة مهمة على طريق الإصلاح السياسي، وأن الاقتراع داخل قاعات التصويت جرى بنزاهة كاملة.

ولست أدري من أين أتى سيادته بهذا "الإجماع الوطني الكبير" إلا إذا كانت كلمة "الوطني" منسوبة إلى "الحزب الوطني" لا إلى "الوطن" مصر.

ونسى- سيادته- أو تناسى أن "الكارثة" لم تكن داخل القاعات، ولكن خارجها: حصارات كاملة ومنع الناخبين من الدخول للإدلاء بأصواتهم في لجان "معينة"، والقبض على المرشحين وأنصارهم "من غير الحزب الوطني"، واستخدام الكلاب والبلطجية والرصاص.. إلخ.

والواقع المر الدامي الذي رأيناه بعيوننا، وعاشه الشعب في هذه الانتخابات، ينقض الزعم الذي طرحه السيد مكرم؛ وهو أن "الحزب الوطني" كان أكثر الجميع تضررًا من الصعوبات الإجرائية التي ظهرت في الانتخابات.

وهي نكتة ساذجة ثقيلة الدم: "فهل أضير الحزب الوطني باعتقال مرشحي الأحزاب الأخرى والمستقلين وأنصارهم ووكلائهم، وضرب السيدات المحتشمات، ومنع دخول اللجان إلا لمن يحملون بطاقة الحزب الوطني، أو يحفظون كلمة سر معينة متفق عليها؟!

وللأسف ما زال مفهوم الأغلبية عند السيد مكرم متخلفًا، فهو لا يعتمد على صحة الانتماء، وصدق الاعتناق، ولكن يعتمد على "الترقيم العددي" و"التسجيل الدفتري".. والشعب كله يعرف أن عضوية الحزب الحاكم هي جواز لتحقيق الانتفاع والمصالح الشخصية، وإني لسائل: كم من هؤلاء التحقوا بالحزب اقتناعًا بمبادئه بعد دراستها، وموازنتها بمبادئ الأحزاب الأخرى؟ وكم من هؤلاء على استعداد للتضحية، وتحمل محنة السجن والاعتقال، والإرهاب والتعذيب التي تعرَّض لها الإخوان المسلمون؟ وكم من هؤلاء يستطيع أن ينفذ إلى قلوب الشعب، وعقول أبنائه، ويقنعه بمبادئ الحزب، ويحببها إليه؟ وكم من هؤلاء استطاع أن يربي شبابًا "عقائديًا" يمكن أن تتكون منه كوادر مستقبلية لها قيمتها؟ وكم من قادته ينزل إلى صفوف الشعب بلا حراسة، بل في ترسانة حربية كثيرًا ما تعطل المرور بالساعات؟

ويوجه السيد مكرم "مدفعه الرشاش" إلى الإخوان المسلمين؛ لأنهم "أجرموا" باشتراكهم في الانتخابات، ونجاح سبعة عشر نائبًا منهم، ويصفهم سيادته بأنهم أقلية قادرة قامت "باختطاف حق تمثيل الجماهير، اعتمادًا على قدرتها التنظيمية".

وأقول لسيادته إن حكمه هذا- لو صح- لوجب أن تدرس خطط هذه الأقلية القادرة في الأكاديميات العسكرية والإدارية؛ حتى يمكن تعميمها على مستوى الأمة كلها.. إنها- إذن- أقلية ذات قدرات خارقة؛ لأنها تمكنت من "اختطاف" 17 مقعدًا بعد أن هزمت آلاف الجنود المسلحين بالمدافع والعصي والقنابل المسيلة للدموع، وكذلك مئات من البلطجية ومحترفي الإجرام، ومئات من الكلاب البولسية الضارية، وقذائف الإعلام الموجهة، والدعايات الصحفية المسمومة، وقوافل حاملات الناخبين المأجورين، وملايين الجنيهات التي دفعت رشاوى لشراء الأصوات.. إلخ إذ كانت هذه "القلة" قد أحرزت النصر على كل هؤلاء، وأولئك فهي "قلة" لا نظير لها، بل هي الكثرة الحقيقية بمفهومها القيمي الشامخ الصحيح.

وهو يصر على ألا يذكر اسم جماعة الإخوان إلا مقرونًا بوصف المنحلة أو المحظورة، أو غير الشرعية، كما يصفها بأنها "تستثمر الظروف العملية كي تمارس دورها المحظور كجماعة سياسية"، ويرى أن الجماعة "لن يكون في وسعها- على وجه الإطلاق- أن تصبح حزبًا سياسيًّا إلا إذا تخلصت من جلدها".

ويزعم أن جماعة الإخوان "المحظورة" تتعاطف مع جماعات العنف والتطرف، وخصوصًا الجهاد والجماعة الإسلامية، وربما تنسق معها "كذا"، ويقول عن بيانات الإخوان التي تدين عنف هذه الجماعات "إن الفحص الدقيق يؤكد أنها لم تكن بيانات إدانة بقدر ما كانت بيانات اعتذار تختلق لهؤلاء المبررات".

ولن نسأل سيادته عن طبيعة "هذا الفحص السحري الدقيق لبيانات الجماعة"، ويكفي أن يعرف أن هذه الجماعات تضع الإخوان في قفص النقد والاتهام، وترى أن اشتراك الإخوان في الانتخابات خروج على الالتزام الإسلامي، ووصل الاتهام أحيانًا إلى التكفير.

وترتفع نبرة الاتهامات المكرمية، فبدلاً من أن يدين الحكومة وقوانينها الاستثنائية في التسلط على النقابات وتعطيل انتخاباتها، وإدخالها تحت الحراسة؛ نراه يحرف الحقيقة، وينحرف بها، فيرى "أن جماعة الإخوان مزقت هذه النقابات، وأدخلتها حربًا أهلية، فتنازع أمرها فرقاء عديدون، حتى تعطل نشاطها، وأصبحت تحت حراسة القضاء.

ولن أقف أمام هذا الاتهام الساقط، فأغلب النقابيين يؤمنون، ويؤكدون أن النقابات المهنية لم تعش عصرها الذهبي: أمانة، وخدمات، وحسن أداء، إلا في "عهدها الإخواني" كما يحلو لبعضهم تسميته، وأحيل السيد مكرم على شهادة- بل شهادات- الدكتور حمدي السيد نقيب الأطباء الذي أكد هذه الحقيقة.

وانطلق يتحدث بلسان الواثق المتأكد المؤكد عن نواب الإخوان الذين فازوا، ووضعوا أنوف "الوطني" في الرغام، وانتصروا على المصفحات، والمدافع الرشاشة، والتزوير، والكلاب المدربة على الهبر والهبش والنهش، يقول سيادته بالفم المليان: "إن الأمر المؤكد أن هؤلاء سوف يلجئون- بين الحين والآخر- إلى افتعال بعض الأزمات لتمييز موقفهم، داخل المجلس كجماعة معارضة لها شعاراتها، وأهدافها، وبرنامجها، وهذا يمكن أن يؤثر على استقرار الحياة النيابية، خصوصًا إذا ما جاوز هؤلاء الخطوط الحمراء، وأخلوا بمعايير السلامة والأمن القومي.

ويكمل السيد مكرم بقية "غيبياته" فيؤكد أن قيام حزب سياسي للإخوان المسلمين "سوف يجر الدولة- شئنا أم أبينا- إلى إنشاء حزب ديني قبطي؛ لنضع بأيدينا أسس الفرقة والتمزق الطائفي، ونحفر بأيدينا قبرًا ندفن فيه وحدتنا".

وهذا تهويل منفوش، فنشوء حزب قبطي خاضع لضوابط وقيود قانونية لا يعني تحقيق الفرقة والتمزق والتضحية بالوحدة "الوطنية، وقد صرَّح الأستاذ مأمون الهضيبي- نائب المرشد العام للإخوان- بأن الإخوان لا يرفضون، ولا يعارضون نشوء هذا الحزب، كما أعلن الدكتور عصام العريان أحد القياديين في الإخوان أن "حزب الإخوان المرتقب لن يمانع في التحاق الأقباط بعضويته "(أخبار اليوم) 18/11/2000م"، ولا يخفى على أحد أن الإخوان لم يعرفوا يومًا التعصب ضد الأقباط، ومعروف أنهم أيدوا المرشح القبطي "منير فخري عبد النور" في مواجهة المرشح "المسلم" الذي حاول إثارة فتنة دينية طائفية.
********
وبعد هذه الإبانات ألا ترى أنني- يا قارئي العزيز- على حق إذا ما قلت كان الأكرم لمكرم ألا يكرر الترشح لمنصب النقيب للمرة الرابعة، بعد أن بلغ الثامنة والسبعين، أو- على الأقل- كان عليه أن ينسحب بعد ظهور النتيجة الأولى؟!!

فهو ساقط.. ساقط.. حتى لو حصل على أغلبية عددية؛ فقد رأينا- وما زلنا نرى- أنه فقد وما زال يفقد "الأغلبية القيمية" بمنهجه التابع للأسياد، وكتاباته وتصريحاته العصابية المختلة، وحـرصه المتشبـث المستميت على... "كرسي النقيب".. وطبعًا هو لم يسمع، لم يقرأ قول الشاعر:
تعالى اللهُ يا سلمَ بن عمْرو أذل الحرصُ أعناقَ الرجالِ
( وأكرر أنني أكتب هذا المقال مساء الثلاثاء 8/12/2009م).
********
تذييل:
ما زال الحديث حتى اليوم يدور حول مباراة مصر والجزائر.. وأنا أسأل- على فرض وقوع أخطاء من الجانبين، أو من الجانب الآخر- هل يكون ذلك سببًا لقطع الصلة بين الشعوب؟

والعدل كان يقتضي محاسبة فريقنا على الخسارة، ومحاسبة أنس الفقي، بل إقالته بسبب إعلامنا المنحرف الذي صرف المواطنين عن قضاياه الحيوية إلى العبثيات.

والمذهل أن نقرأ في الصحف ما يأتي:
1- قرار المجلس المحلي بقرية "الجزائر" بالوادي الجديد، بمحو اسمها، ويكون اسمها الجديد: قرية "مبارك المصريين!!!!!".

2- وكذلك قرية "الجزائر" في إحدى قرى المنيا بالصعيد، تقرر جعل اسمها "الفاروقية"

3- ويقال إن النية متجهة إلى إطلاق اسم حسن شحاتة على شارع الجزائر بالمهندسين.وكبارنا يجهلون قاعدة اجتماعية مشهورة وهي أن "المعاصرة حجاب"، أي: يجب ألا يطلق اسم شخص على مؤسسة أو شارع إلا بعد انتقاله إلى العالم الآخر؛ لأنه في حياته قد ينحرف، ويفقد ولاءه للوطن.

وأخذًا بمنطق السادة الكبار؛ لنفرض أن ما حدث بيننا وبين الفريق الجزائري حدث مع فريق سوري، فهل نلغي شارع "سوريا" في المهندسين، ونستبدل به اسمًا آخر؟، وهل نمحوا اسم "ميدان الحجاز" بمصر الجديدة، إذا حدث مثل ما حدث بيننا وبين فريق الكرة السعودي؟أفيقوا أيها السادة... الكبار جدًّا... قبل فوات الأوان.

ليست هناك تعليقات: