الجمعة، 18 ديسمبر 2009

مجرمو الحرب صاروا «أصدقاءنا»


فهمى هويدى


قارئ الصحف المصرية ربما لاحظ أنها أبرزت على صفحاتها الأولى يوم الثلاثاء الماضى (15ديسمبر) خبر الأمر القضائي الذي صدر في إنجلترا بالقبض على وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني بتهمة ارتكابها جرائم حرب، باعتبار أنها من المسؤولين عن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وكانت وكالات الأنباء قد ذكرت أن محكمة ابتدائية بريطانية أصدرت هذا الأمر، بعدما تقدم محامون بريطانيون بالتعاون مع جهات حقوقية فلسطينية بطلب اعتقال السيدة ليفني ومحاكمتها كمجرمة حرب، مستندين في ذلك إلى ما أثبته تقرير «جولدستون» من جرائم ارتكبتها القوات الإسرائىلية أثناء عدوانها على غزة.
كانت زعيمة حزب «كاديما» قد وصلت إلى لندن لإلقاء كلمة في مؤتمر لإحدى المنظمات اليهودية، لكنها اختفت بعد ذلك. وقالت الوكالة إن قوة من الشرطة البريطانية تبحث عنها بجدية، وإن عددا من رجال الشرطة توجهوا إلى مكان انعقاد المؤتمر لاعتقالها، كما تمركز عدد منهم عند مدخل مبنى السفارة الإسرائىلية بلندن وفي المطارات خشية تهريبها إلى الخارج.
وبدا من الإجراءات المتخذة أن الحكومة البريطانية أصبحت في موقف محرج، سواء ألقت القبض عليها تنفيذا لأمر المحكمة، الأمر الذي سوف يسبب لها حرجا ديبلوماسيا، أو إذا ما تسترت على عملية تهريبها إلى الخارج، لأنها في هذه الحالة الأخيرة ستكون شريكة في التغطية على ارتكاب قوات الاحتلال الإسرائيلي جرائم حرب يعاقب عليها القانون الدولي.
أغلب الظن أن الحكومة البريطانية ستحل الإشكال بصورة أو بأخرى، لكن ما يهمنا في القصة هو نجاح المحامين الإنجليز في استصدار أمر من المحكمة بإلقاء القبض على السيدة ليفني، وهو ما لا يستطيع المحامون العرب أن يقوموا به في بلادهم «المتصالحة» مع إسرائيل، أو تلك التي تقيم علاقات «عرفية» معها. وللعلم، فإن السيدة ليفني قبل أن تذهب إلى لندن كانت في زيارة للمغرب، وباستثناء الاحتجاجات التي نظمها في الرباط بعض المؤيدين للحق الفلسطيني، فإنها قضت هناك ثلاثة أيام معززة مكرمة، كأي زائر بريء لم تتلطخ يده بالدم الفلسطيني. وما حدث في المغرب متوقع في أي دولة عربية أخرى من تلك التي حصلت على نيشان «الاعتدال»، لأنها تغض الطرف عادة عن مثل هذه الأمور. وقد كان شمعون بيريز في القاهرة قبل أسبوعين، واستقبله الرئيس حسني مبارك، ولم يتحدث أحد عن مسؤوليته عن جرائم الحرب التي وقعت في غزة، وهو رئيىس للدولة التي ارتكبت جرائم الحرب، بل إنه دافع عن ارتكاب تلك الجرائم علنا في جلسة مؤتمر دافوس التي انسحب منها رئيس الوزراء التركي الطيب أردوغان.
هذا المشهد يستدعي السؤال التالي: لماذا يتحرك مجرمو الحرب الإسرائيليون بحريتهم في بعض العواصم العربية، في حين تقلقهم بعض العواصم الغربية إلى الحد الذي يدفعهم إلى تجنبها أو الاختباء فيها؟ ردي على ذلك من شقين، الأول: إن السياسة عندنا فوق القانون، في حين إنها عندهم تحت القانون. والثانى: إن المجتمع الأهلي عندنا أضعف من أن يتحدى الهوى السياسي، والرأي العام ليس موضوعا في الحسبان، في حين أن المجتمع المدني عندهم ند للسلطة التي لا تستطيع أن تتجاهل الرأي العام أو تتحداه. السؤال موجع وباعث على الحزن على الأسى في مصر بوجه أخص، ذلك أن جنرالات إسرائيل الذين قتلوا العشرات من الأسرى المصريين في سنة 67، وأصبحوا بعد ذلك قادة سياسيين ووزراء في الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، هؤلاء أصبحوا زوارا دائمين للقاهرة بعد كامب ديفيد وأصدقاء لقادتها السياسيين، وهو ما بات يتفاخر به بنيامين بن أليعازر، أحد أشهر أولئك القتلة. الذي أصبح وزيرا في حكومات إسرائيل المتعاقبة، ومنها الحكومة الحالية.
وكان القانون عندنا لا يحترم، والمجتمع المدني أعجز من أن يقوم بما عليه، والرأي العام لا قيمة له، فذلك يقنعنا بأن إقامة الديموقراطية في بلادنا أصبحت ضمن شروط حل معضلة الصراع العربي ـ الإسرائيلى.

ليست هناك تعليقات: