الثلاثاء، 15 ديسمبر 2009

قراءة فى المشهد العام


قراءة في المشهد العام

تقرير أسبوعي يرصد باختصار أهم التغيرات الداخلية والإقليمية والعالمية

أولاً: الشأن الداخلي

1- فوضى الإعلام وأزمات السياسة:

كشفت تداعيات أحداث مباراة مصر والجزائر عن العديد من النتائج ذات الدلالة المهمة في تاريخ وطبيعة العلاقة بين البلدين؛ فقد اتضح وجود بعض التيارات الجديدة- قليلة العدد والتأثير- ضعيفة الارتباط بالتاريخ السياسي والاجتماعي الذي يعمق وشائج الشعبين.



لقد جرت تلك الأحداث في ظل فوضى إعلامية غير مسبوقة، كانت سببًا في ظهور إرهاصات أزمة سياسية بين البلدين، وهذا الأمر لا يكشف فقط عن مدى تأثير الإعلام، ولكن يكشف أيضًا عن تركيبة المصالح الخاصة الجديدة التي تدفع باتجاه الفرقة والاختلاف والانزلاق نحو الأزمات غير محسوبة العواقب.



وعلي أية حال، وبغض النظر عن التفاصيل؛ كان اتجاه الدولة للبحث عن مجالات التعاون المشترك مع "الجزائر" خطوة مهمة؛ للقضاء على محاولات إفساد العلاقة بين البلدين، والعودة بها إلى وضعها الطبيعي، ومن المأمول أن تتطور، ليس فقط على مستوى المشروعات المشتركة، ولكن لوضع رؤية للتكامل والوحدة.



2- الأفق المسدود للانتخابات الرئاسية:

في تاريخ مصر الحديث؛ فإن هذه هي المرة الأولى التي تحظى فيها الانتخابات الرئاسية بزخم إعلامي وفكري وسياسي واسع النطاق، ما بين تعدد الكتابات والآراء، وتعدد المواقف السياسية، فقد كان من المعتاد تسوية مثل هذه الأحداث خلال شهر أو شهرين على الأكثر قبل حدوثها، غير أنها هذه المرة تثير الجدل منذ سنوات.



قد يبدو أن ذلك ظاهرة صحية يمكن أن تقدم مساهمة عظيمة في التطور السياسي، وإحداث نقلة نوعية في الإصلاح، ولكنها قد تكون نقمة داعمة لاستمرار الاستبداد والإفقار؛ وهذا الأمر لا يتوقف فقط على حسن النوايا، ولكن يتطلب توافر المؤسسات والآليات لحفظ الحقوق والأعراض، وصيانة المواطنة من أية انتهاكات معنوية أو مادية؛ بحيث لا يؤدي هذا الزخم إلى فرض مرشح وحيد، ويكون الأمر برمته ما هو إلا سيناريو مصنوع ومعد مسبقًا؛ لتثبيت الواقع القائم وضمان استمراره بأشخاصه وآلياته.



لأنه على الرغم من اتساع مساحة الجدل، إلا أن مقتضيات الانتخابات الحرة والنزيهة لمّا تتوفر حتى اللحظة الحالية، وليس من المتوقع توافرها في المستقبل القريب، وقد يقضي ذلك على الآمال المحتملة بالتطور السياسي أو النقلة النوعية المنتظرة.



ويكفي الإشارة هنا إلى الافتقار للضمانات الحقيقية للنزاهة والشفافية، فالوضع السياسي والقانوني القائم لم يمنع من تجريح وإهانة من يفكر في الترشيح للرئاسة من خارج النظام الحالي، والتشكيك في وطنيته أو أهليته السياسية، وهذا الأمر يكشف عن جموح الرغبة في الانفراد بالسلطة والاستبداد بها.



ثانيًا: الشأن الإقليمي

- سياسات تفتيت القضية الفلسطينية:

تشهد القضية الفلسطينية تطورات مهمة في المرحلة الحالية، قد تؤثر بشكل مباشر على المقاومة الفلسطينية وعلى هوية القضية ذاتها.



فمن ناحية الكيان الصهيوني؛ هناك تطورات ذات دلالة على استمرار إستراتيجية الصهاينة في تغييب الهوية الفلسطينية، وهنا يمكن القول إن المحاولات الصهيونية لوقف الآذان في المسجد الأقصى تأتي في سياق السياسات التعسفية للتهجير القسري، ومصادرة الأملاك التي تجري على قدم وساق في القدس الشرقية، وصدور القانون الأخير من الكنيست الصهيوني، والذي يقضي بعدم التخلي عن القدس الشرقية ولا عن المستوطنات إلا بعد انتخابات عامة، ولا بد من التصويت على ذلك بنسبة 80% على الأقل.



وفي هذا السياق، جاء خطاب "نتنياهو" والمتعلق بالتجميد المؤقت للاستيطان في الضفة الغربية ودون القدس الشرقية فارغًا من مضمونه، فهو من ناحية استبعد القدس الشرقية من المفاوضات، كما أنه من ناحية أخرى عزَّز أوضاع المستوطنين في الضفة الغربية؛ حيث شهدت هذه الفترة تزايد الحديث عن تبادل الأراضي بين "الدولتين"، وهو ما يشير إلى احتفاظ الكيان الصهيوني بالمستوطنات القائمة وتنميتها وتحويلها إلى قرى ومدن جديدة.



وعلى المستوى الأوروبي، فقد طرحت مبادرة سويدية على الاتحاد الأوروبي للاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة "الفلسطينية"، ويمكن اعتبار هذه المبادرة تطورًا في الرأي السياسي الأوروبي، ولكنه من المؤسف أنه لدى الإعلان عن المبادرة وطرحها للنقاش، تكاثرت التحفظات والتعديلات عليها، بشكل يصعب معه توقع صياغة وثيقة منصفة وعادلة، ومن المثير أن تتقدم "فرنسا" وحدها بخمسة وعشرين تعديلاً على الورقة السويدية.



أما على المستوى الأمريكي؛ فإن تناول السياسة الأمريكية للشئون الفلسطينية في هذه الفترة يقوم على أساس دعم حركة "فتح"، ومن ثم السلطة الفلسطينية التي تخلت عن المقاومة في مواجهة حركة حماس، بحيث لا تشكل حماس طرفًا سياسيًّا في المستقبل، وهنا تعمل السياسة الأمريكية على تأخير وتهميش المكاسب السياسية لحركة حماس، فقد أوصت بتأجيل المصالحة الفلسطينية على اعتبار أنها تكرس الدور السياسي لحماس في الشئون الفلسطينية.



وفي ظل هذه التطورات، تبدو الحاجة ضرورية لدعم المقاومة، والعمل على تماسك الحركات الوطنية الفلسطينية، وتقوية العمل المشترك لصد محاولات وسياسات تفتيت القضية الفلسطينية وجرف حركة التحرر الوطني عن مسارها الطبيعي.



ثالثًا: الشأن الدولي

1- العنف الدموي والتدخل الخارجي:

تشهد مناطق عديدة في العالم الآن حالة من العنف الدموي المستمر، والذي يرتبط- بشكل واضح- بالتدخل الخارجي، وهذه الحالة لا يتوقع الخلاص منها في المدى المنظور؛ وذلك بسبب عمق المشكلات السياسية المرتبطة بالتدخل الخارجي.



فعلى مستوى باكستان، تزداد الأزمة السياسية في الدولة يومًا بعد يوم، وذلك بعد دخول الجيش كطرف في حرب يمكن اعتبارها أهلية، ولا يستطيع الخروج منها أو وقفها، وتمثلت النتيجة المباشرة لدخول الجيش في هذه الحرب المفتوحة في شن عمليات عنف ضد الجيش ورموز السلطة كان ضحيتها مئات القتلى والجرحى، وهذه الحوادث قد تعجل بانهيار السلطة، ولكنها لن توفر الأمن للمجتمع، ولم تتوقف الأزمة عند هذا الحد، ولكنها تفاقمت بدخول أطراف أخرى وسعت من نطاق العنف ليدخل المدنيون في أتون الصراع، وتقوم شركات الأمن الخاصة بدور مباشر في إشعال الأزمة وفي السيطرة على المراكز الحيوية في الدولة.



ولا يختلف الوضع في العراق عنه في باكستان، فما زال يعايش الأزمات السياسية والأمنية منذ الاحتلال الأجنبي في 2003م، وحتى الآن لم تثمر محاولات إعادة بناء الدولة والسلطة السياسية عن تهدئة وتيرة العنف الدموي ضد العراقيين؛ حيث يصبح القتلى مادة خبرية يومية.



وقد كشف الجدل حول قانون الانتخابات، وما أعقبه من أحداث دامية عن مدى التحديات التي تواجه إعادة بناء الدولة العراقية الموحدة، فالخلاف حول صيغة القانون كان حادًّا، غير أن الصيغة الأخيرة والتي أجازها البرلمان جاءت تحت ضغط أمريكي- بريطاني.



وفي الصومال، ومنذ التدخل الدولي في التسعينيات من القرن الماضي، ما يزال انهيار السلطة والصراع المسلح السمة الرئيسية لأوضاع الدولة، وتكشف حادثة الاغتيال الجماعي لحاضرين لحفل تخرج من كلية الطب في الصومال عن آثار التدخل الأجنبي، فهذه الحادثة كغيرها من الحوادث تعكس حالة القلق والصراع التي يعيشها المجتمع.



ويمكن القول إن الأوضاع الهشة في هذه الدول الثلاث، إضافة إلى الحرب الدائرة في اليمن؛ ترتبط بالتدخل الخارجي، ويساهم غياب المشروع الوطني الحر في تفاقم مشكلات الأمن والسيادة؛ ولذلك فالوصول إلى الاستقرار والأمن يتطلب الإعداد لمشروع وطني مستقل عن التأثير الخارجي.



2- قمة الناتو ومصالحة روسيا:

بعد خلافات إستراتيجية، عاد الحوار بين حلف الناتو وروسيا، وكان ذلك في قمة مجلس الناتو- روسيا والتي عقدت في بروكسيل الأسبوع الماضي، وهو ما قد يشير إلى بدء حقبة جديدة من التعاون تجاه بعض القضايا الإستراتيجية والدولية.



وقد ناقشت القمة ثلاث قضايا مهمة، تشكل أولويات عمل الحلف في الفترة القادمة، ويأتي في مقدمتها الإصلاحات الإدارية والمتعلقة بإصلاح مجلس الناتو– روسيا؛ بحيث يمكن التغلب على الأزمات الطارئة، كما تمَّ مناقشة خطة عمل 2010م، ومراجعة الأخطار والتحديات المشتركة في القرن 21، وتشير هذه الأجندة إلى رغبة الحلف في تطوير العلاقة مع روسيا، والعمل على بدء الحوار السياسي معها، والبحث عن طرق التعاون العملي.



وقد جاءت تلك القمة بعد تجميد الاتصالات بين الناتو وروسيا لما يقرب من ثلاث سنوات، وذلك على خلفية التأييد الأمريكي لإعلان كوسوفا استقلالها عن صربيا، بعد تدخل روسيا لدعم استقلال بعض الولايات عن جورجيا، وترتب على هذه الأزمة وقف التعاون الروسي مع الناتو في أفغانستان.



ومن هنا تأتي أهمية قمة مجلس الناتو- روسيا؛ كمحاولة لإنعاش الوجود العسكري للحلف في أفغانستان، وليس من المصادفة أن تعقد تلك القمة في سياق تسابق العديد من دول الحلف على إرسال مزيد من القوات (37 ألفًا) والعتاد إلى أفغانستان وبقرار أمريكي واضح.

ليست هناك تعليقات: