الخميس، 11 مارس 2010

القرضاوى شيخا للأزهر الشريف


11/3/2010 م


بقلم : د. إبراهيم الديب


رحم الله تعالى فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي وتقبل منه صالح عمله وغفر له واسكنه فسيح جناته ، ويبقى السؤال الأكبر والاهم والعاجل خاصة في ظل ظروف الوفاة المفاجئة ــ من هو الشخص المناسب لتولى هذا المنصب الرفيع إسلاميا وعربيا ومصريا خاصة في ظل مجموعة من الاعتبارات

الإستراتيجية إسلاميا وعربيا ومصريا والتي نتوقف لنلقى عليها مزيدا من الضوء ولكن في سياق استراتيجي جامع نخلص منه لترشيح الشخصية الأنسب خلال هذه المحطة التاريخية الهامة من تاريخ المسلمين و العالم .

لاشك في أن الأزهر الشريف مؤسسة إسلامية عالمية تعد الممثل الأمثل للمسلمين عالميا وخاصة أهل السنة

وقد قام فعلا بهذا الدور على مدار عمره الطويل على مستوى الفكر والتجديد والنظر والتعليم والتوجيه والإرشاد وعلى المستوى الاجتماعي والسياسي بل والعسكري التحرري في مواجهة المستعمر الذي غزا مصر والعالم الاسلامى والعربي ، كما أن الأزهر منح مصر مكانة خاصة في العالم الاسلامى إضافة إلى ما تحظى هي به من مكانة حضارية متميزة عربيا وعالميا .

بيد أن الأمر تغير قليلا خلال الفترة السابقة نظرا لاعتبارات وظروف سياسية واجتماعية واقتصادية أثرت في مجموعها على الأوضاع في المنطقة وعلى مصر بصفة خاصة بداية من اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية وحتى الآن أسهمت بشكل كبير في تقليص النفوذ والدور المصري عربيا وإفريقيا وعالميا وبطبيعة الحال أثر ذلك على طبيعة الدور الذي يمكن أن يقوم به الأزهر .

على مستوى القضايا الإسلامية والعربية بل والمصرية وتطور الأمر إلى اختزال دور الأزهر الشريف في مجموعة من الممارسات التنفيذية المحلية داخل مصر فقط تتعلق ببعض مكونات الشأن الديني داخل مصر

وقد تصور البعض أحيانا انه لم يعد هناك وجود للأزهرـ حيث لم نعد نسمع به إلا حين تحتاجه الحكومة في أمر من الأمور، وعلى سبيل المثال لا الحصر فتوى جواز الجدار العازل حول غزة ! .

مما تسبب في إشكالتين مزدوجتين في وقت واحد .

الأولى للأزهر ذاته كمؤسسة إسلامية عالمية لها مكانتها وهيبتها الدينية والروحية في نفوس المسلمين في شتى بقاع المعمورة ــ حيث اختزل دوره ــ إلى أن تحول إلى آداه في يد الحكومة تستخدمها وقتما شاءت دونما مراعاة لأية حرج أو اهتزاز يمس هذه المؤسسة العالمية والتي يحتاج إليها المسلمون اشد ما يحتاجون إليها الآن ، مما تسبب في المس بهيبة ومكانة الأزهر كمؤسسة دينية إسلامية عالمية يمكن أن تمارس العديد من الأدوار الدينية والثقافية والسياسية العالمية التي تساهم في حفظ وصيانة ومكانة الدين الاسلامى عامة والأديان السماوية أيضا ، ويساهم بجزء كبير في صيانة وحفظ الاستقرار والسلام والأمن العالمي

في هذا الوقت بالذات الذي يعيش فيه العالم سلسلة من الحروب المشتعلة باسم الدين وباسم محاربة الإرهاب

في ظل غيبة مؤسسة إسلامية عالمية جامعة قادرة على التحرك الايجابي واستخدام سلطاتها وأدواتها في تصحيح وترشيد وضبط الأفكار والمناهج والحركات على ارض الواقع .

الإشكالية الأخرى للدولة وللنظام المصري الذي فقد احد أهم أدواته الإسلامية العالمية التي كانت تمنحه مزيد من المكانة والنفوذ الديني العالمي الذي كان من الممكن استخدامه سياسيا في تصحيح الكثير من الأوضاع والأزمات العالمية التي كان الإسلام طرفا فيها بالإضافة إلى قضايا القدس والعراق وأفغانستان

والكثير من القضايا الأخرى التي يمكن اللجوء إلى الأزهر للمساهمة في حلها ، بيد أن النظام المصري لم يحسن استخدام ذلك بل حول الأزهر إلى أداة محدودة للاستخدام السياسي محليا ومن ثم وضع الأزهر في حرج كبير افقده الكثير من مصداقيته ومكانته محليا وعربيا وعالميا وخسر هو أيضا بضياع تكلفة الفرصة العظمى البديلة .

بداية من مؤسسة الأزهر نفسها والتي تعانى من حالة كبيرة من الجمود والتقادم والضعف والتراجع أصابت مؤسساته التعليمية والعلمية والإدارية ناهيك عن الكثير من أشكال الخلل والفساد الادارى التي أصابت أجزاء كبيرة منه والتي تحتاج إلى قيادة جديدة حاسمة وقوية ومجددة قادرة على إعادة تجديد وضخ دماء الأفكار والأشخاص التي تعيد للأزهر حياته وحيويته وفاعليته .

كما أن العالم الاسلامى وما يعانيه من مشاكل إستراتيجية كبرى بداية من توقف باب التجديد الفقهي والفكري والعلمي والذي أصاب العقل المسلم بحالة جمود وتراجع كبيرة تراجعت به إلى مؤخرة الركب الحضاري الانسانى ، بالإضافة إلى حالة الفرقة والصراع الداخلي والأزمة مع الغرب وأزمة الحركات والفرق والمذاهب الإسلامية المتعددة والمتنوعة مع نفسها أحيانا ومع بعضها البعض ومع الأنظمة والحكومات والتي تسببت في

تتشتت وإهدار الجهود وتحولها عن مسارها التنموي والنهضوى الصحيح لإعادة استجماع الأمة لعقلها وإنتاج مشروع حضاري تجتمع عليه الجهود لإعادة نهضة الأمة من جديد .

كما أن المد الشيعي الايرانى والذي يعيش أزهى فتراته التاريخية في ظل دولة إيران القوية والتي تحولت إلى دولة إقليمية تشارك الكبار في إدارة العالم وقيادة منطقتنا العربية والإسلامية مهد الإسلام السني وما تمثله للإسلام السني من تهديد في عقر داره في ظل غياب مؤسسة إسلامية سنية عالمية كالأزهر الشريف تتحدث باسم المسلمين وتستطيع أن تواجه هذا المد الشيعي الزاحف على المسلمين السنة في عقر دارهم .

كما أن الحالة الإسلامية العامة بما تمثله من تنوع كبيرفى التنظيمات والحركات الإسلامية يبدأ من التنظيمات التي تنتهج العمل الوعظي والارشادى والعلمي والتربوي انتهاء بالجماعات التي تمارس العنف وقد تأسس بعضها ونما وقوى وتعاظم فعله وأثره في سياق أفكار فردية يغيب عنها الفكرالمؤسسى الجامع الذي يستند إلى مؤسسة إسلامية عالمية جامعة تمثل المسلمين وتفكر وتجتهد لهم ولا تنتمي لدولة أو لنظام سياسي ما حيث يعلو الأزهر فوق كل هذه الانتماءات المحدودة للإسلام ومن ثم يستعيد مكانته وهيبته وحياديته واستعلائه بما يمكنه من أن يفرض كلمته على كل هذه التنظيمات ويساهم في تصحيح مساراتها وتوجيهها استراتيجيا إلى ما فيه صالح الإسلام والبلاد والعباد ويطفئ الكثير من النيران المشتعلة في الكثير من بقاع العالم .

كما ان غياب الممثل الرسمي القوى للإسلام و المعترف به عربيا وإسلاميا وعالميا ساهم بشكل كبير في توسيع هوة الفجوة بين الإسلام والغرب حيث لم يجد الغرب ممثلا واحد قويا يتحدثون إليه بل وجد الكثير من الممثلين المتنوعين للإسلام تنظيمات ومؤسسات وأفراد ـ وابرز مثال على ذلك حالة الهرج والمرج التي حدثت أثناء أزمة رسوم الكاريكاتير مع الدنمارك .

كما ان غياب مؤسسة جامعة وقوية وممثلة لأهل السنة فتحت المجال أمام التنظيمات القوية المحكمة للشيعة من التمدد الكبير في العراق وامتلاك الجزء الأكبر من الأوراق في إدارة العراق، وتحول السنة إلى مجموعة من التنظيمات المتعددة المتنوعة الضعيفة الهشة التي لا تستند إلى مرجعية قوية يمكن ان يعترف بها وفتح المجال لكل منها ان يجتهد حسب فهمه وعلمه حتى شاهدنا من يذبح البشر على شاشات التلفاز باسم الإسلام !

كما ان الحركات الإسلامية داخل المنطقة العربية تحديداً والتي دخلت في حالة من الصراع الدائم والصدام المستمر مع الأنظمة ساهمت في حرق الأخضر واليابس ووقف وتعطيل جهود التنمية التي كان من الممكن توجيهها لتنمية ونهضة هذه الدول والمنطقة لو وجدت مؤسسة إسلامية قوية جامعة مثل الأزهر الشريف ومحايدة تسمو بانتمائها إلى الإسلام وفقط ومن ثم تحظى بقبول ورضا وثقة هذه الحركات والحكومة معا ومن ثم كان من الممكن ان تقوم بدور ما في ضبط وترشيد هذا الصراع وتصحيحه وربما تحويل الأزمة إلى فرصة لتنمية ونهضة هذه الدول .

كما ان ضعف وهشاشة النظام العربي عامة وجامعة الدول العربية خاصة كان من الممكن ان يكون للأزهر دور في دعمه وتقويته وتعزيزه خاصة وان الأزهر يحظى بمكانة عالمية كبرى يستمع ويأتمر به المسلمون

في شتى قارات الدنيا .

كل ذلك يدعونا إلى ضرورة البحث عن شخصية فريدة من نوعها وتكوينها وتاريخها تمتلك القدرة العلمية والفكرية على التجديد وتمتلك منهجا وسطيا حكيما يجمع ولا يفرق ، تحظى بالقبول والثقة من جميع الفئات الإسلامية المتباينة والمختلفة تستطيع ان تعيد للأزهر هيبته ومكانته وحياديته وتعيد له دوره في معالجة الكثير من القضايا الإسلامية والعربية والمحلية بشكل علمي ومنهجي صحيح .

ربما ساقت الأقدار لعالمنا العربي الاسلامى هذه الشخصية الفريدة في تكوينها ومقوماتها العلمية والنفسية والفكرية والروحية ، وتاريخها وانجازاتها والتي ربما لن تتكرر في التاريخ الاسلامى مرة ثانية ولعل الله تعالى قد أعده على عينه لمثل هذا الموقف التاريخي المتأزم الذي يعيشه المسلمون .

ففضيلة العلامة الدكتور القرضاوى بما يمتلكه من تاريخ طويل من العطاء الممتد للقضايا الإسلامية تميز بالقدرة الفائقة على التجديد الفقهي في الكثير من أهم قضايا العصر، بالإضافة إلى ما يميزه بما أسسه وعاش طيلة عمره ينادى به ويعلم ويربى طلابه عليه في شتى بقاع الأرض على منهج الوسطية الحكيمة الراشدة ، كما انه الشخصية الفردية التي استطاعت وبكل عزة وشموخ أن تتعالى على أية انتماءات محدودة جعلته ملكا للأمة جميعها وليس ملكا لدولة أو نظام أو حركة أو فكر معين إنما هو الانتماء للإسلام وكفى .

كما انه الشخصية المقبولة عالميا على المستوى العالمي والذي يستطيع ان يستعيد للأزهر عالميته وفعاليته على الساحة العالمية .

الكثير والكثير من الأسباب التي تجعل من فضيلة العلامة الدكتور القرضاوى الشخصية الأنسب لتولى مهمة ومسئولية وأمانة استعادة الأزهر إلى الساحة المصرية والعربية والعالمية بقوة وفاعلية .

ألا ليت النظام المصري يعي ويدرك أهمية وخطورة الموقف ومدى حاجة مصر والعروبة والإسلام للأزهر وحاجة الأزهر القرضاوى .

ليست هناك تعليقات: