الثلاثاء، 30 مارس 2010

التحكيم السياسي لكرة القدم


29/3/2010 م

بقلم : د. أسامة عطوان


كنتُ ومازلتُ أعتقد - وهذه وجهة نظر شخصية - أنّ الجيل الحالي من حكّام كرة القدم المصرية هو الأفضلُ بين العديد من الأجيال التي عاصرتُها منذ تابعتُ تلك اللعبة الساحرة، وأنه الأكثرُ عدالة والأقوي شخصية، ولكنّ مشكلته تكمن في حجم الضغوط التي يتعرض لها والأكمنة التي تتربّص به فتبرز أخطاءه وتضخمها وتحرص علي أن تظل صافرته مرتعشة دائما من خلال إعلام موجه وعشرات من البرامج يتلوّن كلٌ منها بلون مقدمّه الذي يغازل بدوره ناديه المفضل وجماهيره حفاظا علي السبّوبة وأكل العيش.

والحقيقة أنني كنت قد استبشرتُ خيرا منذ سنوات بشباب الحكام بعد شعوري بتخلصهم من سطوة الأندية الكبري وبعد أن أصبحت أخطاؤهم التقديرية - كما في العالم كله - عشوائية الحدوث تصيب كل الفرق صغيرها وكبيرها بصورة متوازنة هي الأقرب للعدالة، وتعكس سوء التقدير وغياب التوفيق ولا تعكس الجهل بالقانون أو سوء النوايا، و كنت دائما ألتمس لهم كلَّ العذر في أخطائهم فهم بشر كما يقولون يتخذون قراراتهم في كسر يسير من الثانية بينما نتجادل نحن حولها لأيام بعد الإعادة والشرح مئات المرات بجميع الطرق ومن كل الزوايا، ثم قد لا نصل بعد ذلك لنتيجة مقنعة، ولكنّ ما حدث مساء الخميس الماضي من الحكم «سمير محمود عثمان» أثناء إدارته لمباراة الأهلي وإنبي في الدوري العام أعادني سريعا لما بدأتُ ألاحظه منذ فترة والذي ارتد فيه التحكيم سريعا إلي الوراء بعد أن استسلم لإرهاب الإعلام والأندية وأدرك الحكام أن لجنتهم غير قادرة علي حمايتهم فعادوا من حيث أتوا وارتموا في أحضان مراكز القوي الكروية القادرة علي تتويجهم ملوكا عند الرضا وعلي إعدامهم عند الضرورة، ولهذا قرر سمير عثمان «مع سبق الإصرار والترصد» أن يبتعد بالرياضة عن فكرة التنافس الشريف وأن تكون مهمته كحكم تحقيق الأمل وليس العدل، ومع هذا أعتقد أنه من السذاجة أن نتهمه بمجاملة الأهلي فالأهلي ليس في حاجة لمجاملته كما أن الحكم نفسه قد فعل من قبل بعضا من هذا لصالح الزمالك أيضا لأنه في الأساس يبتغي السلامة ويدرك أن الأندية الكبيرة أقوي بكثير من اتحاد الكرة ولجنة حكامه، وان إرضاء النادي الكبير وجماهيره وإعلامه دون وجه حق أجدي وأكثر أمانا له من إغضابه ولو كان معه كل الحق، .. أعترف - قبل أن تنطلق الأقلام والحناجر الأهلوية لتهاجمني وتنال مني - أنني زملكاوي أصيل ورثت هذا المرض عن والدي - رحمه الله - وأورثتُه طفلي الصغير «مهاب» وأعترف أيضا أن الزمالك قد استفاد أحيانا من أخطاء الحكام بنفس الطريقة فالفكرة ليست أهلي أو زمالك وإنما مافيا كروية تدفع الحكام بقوة نحو التحكيم السياسي للكرة وهو التحكيم الذي يراعي جيدا موازين القوي عند اتخاذ قراره وليس أدل علي صدق كلامي من تعريفنا الدائم للحكم الناجح بأنه من يخرج بالمباراة إلي بر الأمان رغم أن بر الأمان هذا ليس بالضرورة تحقيق العدل المطلق وإنما تحقيق النتيجة المرجوة للمباراة والتي تمنح الفوز للفريق صاحب النفوذ والجمهور الكبير.

ربما لم يلتفت الكثيرون إلي واحد من أهم أسباب فوزنا المتتالي بكأس الأمم الأفريقية واقترابنا بشدة من التأهل لنهائيات كأس العالم رغم أن هذا الجيل من اللاعبين ليس الأمهر علي الإطلاق وهذا السبب في رأيي هو تقلّص الفوارق بين الأندية واختفاء نظرية النتائج المحسومة مقدما وهو ما أفاد المنتخب الوطني كثيرا وزرع في نفوس لاعبي الأندية الصغيرة الثقة في النجاح والقدرة علي المنافسة قبل أن تعود العجلة إلي الوراء وتطفو علي السطح من جديد نظرية أن الكبير مازال كبيرا.

أرجوكم أن توفروا الحماية المطلقة للحكام مهما كانت أخطاؤهم التقديرية فهذا وحده كفيل بالقضاء علي أغلبها وفي المقابل فليشطب كل حكم يتعمد التلاعب «بصفارته القضائية» إرضاء للنفوذ والصوت العالي وعفوا للسادة جماهير الأهلي وإدارته المتزنة فدولاب إنجازاتها مكتظ بالبطولات ولا أظن أنه يشرفها أن تحصد بطولة جديدة بمثل هذه الطريقة فالقضية ليست رياضة فقط وإنما منهج حياة، فالحَكَم «السياسي» سمير عثمان لم يقم بإدارة مباراة في كرة القدم ولكنه أدار انتخابات علي الطريقة المصرية تخلي فيها - حسب التعديلات الدستورية - عن الإشراف القضائي وتطوع للقيام بدور وزارة الداخلية وأحرزت فيها قوي المعارضة الأهداف ففاز الحزب الوطني بالأغلبية، وأنا أثق أن الأهلوية والزملكاوية وكل المصريين ليسوا من مشجعي الحزب الوطني.

ليست هناك تعليقات: