السبت، 6 فبراير 2010

المقاطعة مسألة أخلاقية


بقلم : فهمى هويدى
هذه مناقشة قديمة جديدة، من إفرازات حالة البلبلة الحاصلة فى مصر، التى أصابت أعدادا من المثقفين والصحفيين، هى قديمة ــ نسبيا ــ لأنها تطرح موضوع علاقة المثقفين بالعدو الصهيونى، الذى نوقش أكثر من مرة، خصوصا فى المحيط الصحفى، أما الجديد فيه فهو اللغط الذى أثاره قرار هيئة التأديب بنقابة الصحفيين المصريين توجيه إنذار لإحدى الزميلات لأنها استقبلت السفير الإسرائيلى فى مكتبها وإيقاف زميل آخر لمدة ثلاثة أشهر لأنه أعلن أنه سافر إلى إسرائيل 25 مرة، وتزامن ذلك اللغط مع حدث آخر فى ذات الإطار تمثل فى حضور أحد الزملاء مؤتمرا صحفيا عقده السفير فى القاهرة بمناسبة انتهاء مهمته، وهو ما انتقده آخرون فإنه وجه رسالة نشرتها صحيفة المصرى اليوم فى 2/2 قال فيها ما نصه، «إنه حضر المؤتمر الصحفى»: من منطلق مهنى بحت، كونى صحفيا عليه الاطلاع على الحقائق والوقائع ونقلها كما هى، حتى وإن لم يتفق معها ملتزما «الحيادية». كما أنها محاولة للانفتاح على الآخر، وفى موضع آخر من رسالته كرر زميلنا أن كل ما فعله أنه أدى عمله بحرفية، وأنه ليس من حق أحد أن ينتقده لأنه أدى مهمته الصحفية.

هذه الملابسات أعادت إلى الأذهان موقف الصحف من التعامل مع الإسرائيليين، وحدود وضوابط المهنية والحرفية فى هذه الحالة، وهى المناقشة التى كنت طرفا فيها يوما ما حين رفضت حضور لقاء صحفى مع الرئيس أوباما أثناء زيارته للقاهرة فى أوائل العام الماضى، بسبب دعوة صحفى إسرائيلى إلى ذلك اللقاء، ووقتذاك قال الزميل المصرى الذى حضر اللقاء إنه أدى واجبه المهنى، وأيده فى ذلك نقيب الصحفيين الذى وصف موقفه بأنه مهنى فى حين قال عن موقفى إنه سياسى، وهو الجدل الذى عزفت عن مناقشة هذه الجزئية فيه، واعتبرته جدلا عقيما لا طائل من ورائه.

فى وقت لاحق وجدت أن ذريعة «المهنية» تكررت فى تعليقات بعض الزملاء، وكان خطاب زميلنا الذى أشرت إلى بعض فقراته أحدث تعبير عن هذا المعنى، وإن أضاف إليه فكرة ساذجة تمثلت فى حكاية الانفتاح على الآخر، وهو ما يعنى أن المسألة مازالت تحتاج إلى ضبط قبل أن يتسع الخرق على الراتق، ويصدق البعض حكاية «المهنية» هذه، بحيث يستدرجون إلى التطبيع مع العدو الصهيونى دون أن يشعروا. فى هذا الصدد عندى ثلاث ملاحظات هى:

* أن المهنية ينبغى أن تكون محكومة بالموقف الأخلاقى، والتواصل مع الإسرائيليين باسم المهنية يعطى انطباعا بأن الموقف المهنى متحلل من القيود والضوابط الأخلاقية.

ومقاطعة إسرائيل فى ظل استمرار سياساتها العدوانية وجرائمها والوحشية هو موقف أخلاقى بامتياز، وهو ما أدركه العديد من الناشطين فى مختلف أنحاء العالم الغربى الذى تتحالف أغلب دوله مع إسرائيل، ومن المفارقات أن دعوة المقاطعة انطلاقا من الموقف الأخلاقى يرددها نفر من الأكادييمين المثقفين والناشطين الشرفاء فى إنجلترا وأمريكا وكندا وإيطاليا وفرنسا، فى حين يتجاهلها بعض الإعلاميين الذين يجردون المهنى من ذلك الموقف الأخلاقى.

* إن موقف المقاطعة إلى جانب ذلك هو سلوك ديمقراطى، إذ هو من قبيل الامتثال لقرار الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين، التى صوتت الأغلبية الساحقة من أعضائها لصالح مقاطعة العدو الإسرائيلى، شأنها فى ذلك شأن النقابات المهنية المصرية الأخرى.

* إن هذا الأصل يمكن أن يرد عليه استثناء فى حالة الضرورة، باعتبار أن الضرورات تبيح المحظورات، والمبدأ الحاكم هنا يميز بين ضرورات الموظفين الذين يعملون فى إطار الدولة التى وقعت اتفاقية «سلام» مع إسرائيل، وبين خيارات المثقفين الذين لا تلزمهم تلك الاتفاقية، خصوصا إذا كانت نقاباتهم المهنية رفضتها، وهو الحاصل فى الدول الغربية المتحالفة مع إسرائيل فى حين أن بعض مثقفيها اختاروا مقاطعتها للأسباب الأخلاقية والإنسانية، وإذا ما اختار بعض الصحفيين أن يتصرفوا كموظفين رسميين فليقولوا ذلك صراحة، ولا داعى للتستر وراء المهنية والحرفية وغير ذلك من الأقنعة.

ليست هناك تعليقات: