الثلاثاء، 23 فبراير 2010

أعضاؤكم نهبوا أعضاءكم


23/2/2010 م


بقلم : د. حمدى حسن


يستعد مجلس الشعب بداية الأسبوع القادم لإعلان موافقته النهائية لإصدار قانون استئصال وزرع الأعضاء البشرية بعد انتهاء مناقشاته لمواد القانون وإعلان الأغلبية من نواب الوطني موافقتها الأولية علي القانون ورفض نواب الإخوان والمستقلين له. ولي عدة ملاحظات حول هذا القانون ألخصها فيما يأتي:

هذا القانون من الغرابة بمكان حيث توسع في الإحالة للائحة التنفيذية، فنجد أن عدد مرات الإحالة لها فاق عدد مواد القانون مما يعني أن وزير الصحة حصل علي تفويض علي بياض من مجلس الشعب لإقرار ما يراه أو ما تراه حكومته بعيدا عن إرادة ورقابة الشعب وهي سابقة فريدة أعتقد أنها لا توجد في أي قانون سابق، بل إن المادة الوحيدة التي تشترط شروطا محددة للمستشفي الذي يتم فيه عمليات الزرع تم إلغاؤها «مادة 9» وأسندت ذلك مرة أخري للائحة التنفيذية!

ومن غرابة هذا القانون الفريد أنه يحظر الفعل ويبيحه في ذات الوقت، مما يؤكد حالة الفساد غير المسبوق في التشريع وفلسفته، ففي الوقت الذي يحظر فيه القانون التبرع لغير الأقارب ويجعله بين المصريين فقط فإنه في ذات الوقت بل في ذات المادة يبيحها بشرط موافقة لجنة يرأسها وزير الصحة، وهذا يقنن التجارة والسمسرة ويفتح أبواب التساؤلات عمّن هو المستفيد الحقيقي من هذا الفساد بقانون «مادة 3»!.

هل من قبيل المصادفة أن تكون المناقشة في هذا القانون وهذه المادة بالذات في ذات الوقت الذي تبين فيه أن الوزير السابق وعضو مجلس الشعب المستقيل حديثا محمد إبراهيم سليمان استولي علي أراضي الدولة له ولأسرته ولأقاربه ولم يرع حرمة لائحة ولا قانون ولا حتي دستور يحرم ويجرم الاستفادة والتعامل مع أموال الدولة بالبيع أو الشراء؟!.

أما زاوية هذا القانون وعموده ونقطة الخلاف الأساسية فيه وهي مادة تعريف الموت «مادة 12» والتي تمت صياغتها بطريقة حرفية تهربت من موضوع وفاة جذع المخ تمامًا مما يجعل التوافق علي الموافقة علي القانون أسهل بكثير وهذا ما حدث من ناحية المبدأ حيث وافقت كتلتا الإخوان والمستقلين علي مشروع القانون من ناحية المبدأ علي أمل أن ينجحوا في إدراج ضوابط بالقانون، غير أن الحكومة وأغلبيتها البرلمانية رفضت وضع الضوابط ضمن مواد القانون وهي الضوابط المحددة لتوثيق تحديد حالة الموت والتي بدونها سوف يتم تقطيع المرضي الأحياء واستخدام أعضائهم كقطع غيار بشرية، الغريب أن الحكومة التي أرفقت هذه الضوابط في صورة ملحق «رقم واحد» بمشروع القانون المقدم منها وهو عبارة عن تحديد علامات الموت العلمية من قبل لجنة من أساتذة متخصصين أمر بتشكيلها وزير الصحة، وقررت اللجنة ضوابط محددة يطمئن لها القلب غير أن الحكومة وأغلبيتها رفضوا إدراج هذا الملحق بالقانون أو الإشارة حتي إليه كجزء لا يتجزأ من القانون وتركوا الأمر علي المشاع تحدده اللائحة التنفيذية سلبا أو إيجابا تساهلا أو تشددا وفق الحالة العامة للبلاد أو نزاهة من يتولي الأمور.

إن الذين أدرجوا هذه الضوابط في ملحق المشروع هم من رفضوا أيضا إدراجها ضمن القانون الصادر وهذا تناقض غريب غير مفهوم خاصة أنه سبق إدراج جدول مالي عن نسب الضرائب العقارية ضمن قانون الضريبة العقارية فهل الضرائب العقارية أهم عند الحكومة من قطع الغيار البشرية المنتظرة؟

أخيرًا تكفلت الدولة بعلاج من يعجز عن السداد وأنشأت صندوقا للمساهمة في العلاج. ومن واقع معاناتنا مع الحكومة في موضوع العلاج علي نفقة الدولة وعدم صرف الأموال المطلوبة فعليا للمرضي العاجزين عن تحمل مصاريف العلاج بدعوي أن ما تصرفه في قرارات العلاج هو مساهمة من الدولة وليس علاجا كاملا!! لذا طالبنا باستبدال كلمة «علاج» بدلا من «مساهمة» حتي لا تكون وسيلة للمراوغة من استحقاقات علاج الفقراء مستقبلا إلا أن الحكومة رفضت بل صرحت علي لسان وزير الصحة بأن أمريكا نفسها لا تقوم بسداد تكلفة نقل الأعضاء أو العمليات الكبري لمواطنيها وهو اعتراف ينم عن نية الحكومة الحقيقية في عدم تحمل التكلفة الفعلية لعلاج المرضي غير القادرين، مما يعني بدون شك ولا مواربة أن هذا هو مراد الحكومة من رفضها التعديلات التي طلبناها!

ثم هل من قبيل الصدفة أيضا أن يتم مناقشة هذه المادة في هذا القانون في ذات التوقيت الذي يتم الكشف فيه عن فضائح العلاج علي نفقة الدولة ما بين اتهامات نهب له من بعض النواب وأيضا بعض الموظفين والمستشفيات وعجز الحكومة عن الاستمرار في علاج المواطنين الفقراء والمحتاجين، بينما الأغنياء وأصحاب الحظوة والمتنفذون يحصلون علي قرارات لعلاجهم - لايستحقونها - بسهولة ودون معاناة!

وختامًا، أري أن إصدار هذا القانون بدون الضوابط المناسبة سيقنن تجارة الأعضاء لصالح الأغنياء وسيحول المرضي الفقراء إلي قطع غيار بشرية وأيضا لصالح الأغنياء ولن يستفيد منه فقير واحد في ظل العجز المستمر للميزانية وعجز الحكومة عن توفير الأموال اللازمة لعلاج المواطنين المحتاجين الذين لم يرعوا حرمة المال العام فهل سيرعون حرمة أجساد المرضي أو الموتي؟! والذين لم يحترموا الدستور ولم يحاسبهم أحد لن يحترموا قانونا ولن يحاسبهم أيضا أحد، ومن يرفض ضمانات محترمة ومعتبرة يضع نفسه في دائرة الاتهام وليس الشك.

ليست هناك تعليقات: